التصنيفات
مقالات الضيوف

أنا آسف لأني هكذا

في آخر فيلم جرين ميل لتوم هانكس، و قبيل إعدام “العملاق” على جرم لم يرتكبه، يعتذر العملاق، يقول “أنا آسف لأني هكذا”، من هذه الجملة البسيطة نعرف أن العملاق يعلم جيدا في قرارة نفسه أنه لم يُعدم لجرم ما، بل إنه أُعدِم لطبيعته ذاتها، فهو يرى أشياء لا يراها الناس و يسمع أشياء لا يسمعوها، و يحكي عن أشياء لا توافق العقل و لا الحس، فضلا عن هيئته ذاتها، عملاق أسمر غريب الأطوار يتحدى هيئة البشري في مخيلاتنا.
إذن فوضعه على الكرسي الكهربائي – و تماما كما يعلم هو- هو قرار من الجميع بالتخلص من وضع محير شديد الإرباك، التخلص من ما يمثله هذا العملاق الأسمر الغريب من تنافر لعالم نريده شديد الانسجام و الوضوح.
ربما الكرسي الكهربائي فظ و قاسي، لكننا دوما نستخدم النفي و الإعدام، الأرشفة و صنع الحدود لصيانة عالمنا من الغرائب، و إن كان بطرق أكثر لباقة، يخبرنا برجسون أن الضحك أحد هذه الوسائل، فالمجتمعات تستخدم الضحك على الغريب لإقصائه، لتفريغ طاقة الغضب عليه بصورة لطيفة، ليس كل الضحك جميل إذن، أحيانا هو سلاحنا ضد الضعفاء، ضد العمالقة و الأقزام و الرومانسيين و ثقيلي اللسان و غيرهم، بإجمال، ضد من نعتبرهم بكل صلف من أخطاء الطبيعة!
ربما لا يوجد منا من لم يتعرض لمثل هذا، من لم يضطر أن يعتذر “لكونه هكذا”، ربما سيظل البشر على قسوتهم، أو ربما هي غريزة ليس لمجتمع العيش بدونها كما يعتبر برجسون، لكن يبقى الحل دوما في يد حبيب، حبيب يستطيع أن يحب أغرب ما فينا، فينقذنا من غربتنا، يقلب الآية فيجعلنا لا نعتذر، بل نفرح لا لشئ سوى “أننا هكذا”

 https://www.facebook.com/tarek.hegi/posts/974631972629862