التصنيفات
مقالات الضيوف

آمنا بالله ليس لأنه حكيم أو رحيم

مما لا يعرفه الكثير من الناس أننا آمنا بالله ليس لأنه حكيم أو رحيم ، إذ هذه صفات وأفعال ، وبداهة لا نستدل بالصفة قبل إثبات الموصوف إلا إن كانت هي الدالة على وجوده.. والرحمة فعل إلهي قد يفعله أو لا يفعله (فهو رحيم ومنتقم ، كما أنه قريب وعزيز)، فكثير من الآلام والشرور في هذا العالم كان يمكن أن يرحم أهلها ولكنه لم يفعل (على الأقل في نظر أصحاب البلاء)، فلا تصح هذه الصفة كدليل على وجوده عند الجميع، بل قد تليق بأصحاب تجربة شعورية خاصة بهم.
وأيضا لا نستدل على وجوده بقول الرسول صلى الله عليه وسلم أنه موجود ولا بقول القرآن أنه موجود..ذلك أن إثبات رسالة الرسول مترتبة على إثبات وجود المرسل سبحانه.
وإنما الذي ارتضاه جمهور الأمة أننا نستدل على وجوده سبحانه بالعقل ..
وطرق الاستدلال العقلي كثيرة .. ولكن من أبسطها هذا ولكنه قبلها يحتاج لتنبيهين :
الأول : أننا لا نطالب كل مسلم بفهم هذا مادام مطمئنا لإيمانه ، ولكن من تشكك او كان بصدد التشكيك فلابد له من فهمها وغيرها.
الثاني : أني ترددت لسنوات في كتابة مثل هذا الكلام على الفيسبوك ؛ لأن مكانه الحقيقي هو الدراسة الأكاديمية ولصعوبته على الكثير من الناس قد يشوشهم ، ولكن لجهل الكثير بوجوده أصلا – وغيره الكثير – ذكرت طرفا منه مع عدم مراعاة الدقة العلمية طلبا للتبسيط ومع ذلك يبقى صعبا ، ولكن غرضي أن أنبه أن المسلمين ليسوا مجموعة من البهاليل الذين يتلقون العقائد بالوراثة وبدهي أني لن اخوض في مناقشات حوله هنا .. لأن هذا مكانه الدروس لا الفيسبوك وإنما غرضي التنبيه لوجوده.
فلننتقل للأدلة :
1. النقيضان لا يجتمعان ومعنى النقيضين هو الشيء وسلبه
فنقيض البياض عدم البياض (وليس السواد) ونقيض البرودة عدم البرودة (وليس السخونة)
ونقيض الوجود عدم الوجود وهكذا
ومعنى عدم اجتماعهما أن لا يتصور أن يكون الشيء موجودا ومعدوما في نفس الوقت.
2.جميع الموجودات المشاهدة لنا حادثة ، ومعنى أنها حادثة أنها لم تكن ثم كانت ،سواء ظهرت من لا شيء أو تحولت من صورة لأخرى.. وهناك عدة إثباتات فلسفية دقيقة لهذا الأمر ولكن العلم الحديث يساعدنا الآن على أن صورة الكون بصورته الحالية لم تكن كذلك من ملايين السنين فضلا عما نشاهده من تغير يومي لمعظم الأشياء.. فلنكتف إذا بهذا القدر في هذه النقطة .
3.كل حادث لابد له من مُحدِث (فاعل) لأنه قبل صورته الأخيرة لم يكن موجودا ، فإما أن يخرج نفسه من العدم وهو معدوم وإما أن يُخرجه غيره
والأول (وهو أن يخرج نفسه من العدم وهو معدوم) باطل لأنه يقتضي أن المعدوم موجود (ليتسنى له إخراج نفسه) وهذا اجتماع للنقيضين.
فتعين أنه لابد أن يكون هناك غيره يخرجه .
(لاحظ أن هذا الشيء السابق عليه أعم من أن يكون هو نفسه في صورة أخرى أو يكون شيئا غيره كالأم مع ابنها).
4. ننتقل للحديث عن الشيء السابق الذي أدى لوجود الشيء الحالي .. فنجري عليه المبدأ السابق ، فنجده حادثا هو الآخر لم يكن ثم كان .. إلى أن ننتهي إلى نقطة البدء .. فلابد أن تكون قديمة لا مفتتح لوجودها أي غير مسبوقة بعدم ، وإلا لزم وجود سلسلة من الحوادث (الأمور المسبوقة بعدم) مترتبة على بعضها وغير مسبوقة بالعدم ، وهذا تناقض .. إذ يقتضي أن المجموع مسبوق بعدم وفي نفس الوقت غير مسبوق بعدم (ارجع للمبدأ رقم 1).
5.هذا المبتدأ القديم أثبتنا له صفة واحدة اسمها الأولية أي نفينا عنه أن يكون حادثا.
6. ثم ننتقل مرة أخرى للنظر في الموجودات فنجد أنها قابلة لصور مختلفة من الاحتمالات (كان يمكن أن تكون الكواكب مربعة ورؤسنا مثلثة والشمس أكبر من هذا أو أصغر.. فلما تعينت الموجودات في صورة دون أخرى استدلنا بأن المخصص لها بالصورة مُريد لهذه الصورة .. فأثبتنا له صفة الإرادة
7.ثم إن هذا الأول المريد أخرج الوجود بالفعل فدل على أنه قادر على إنفاذ إرادته.. فاثبتنا له صفة القدرة.
فكان بمجموع هذه الصفات (قادر مريد أول) تثبت له صفة الألوهية على الحقيقة ولكن لا يتوقف العقل عند هذه النقطة بل يستمر في إثبات علمه وإثبات إمكان أن يرسل الرسل ثم إثبات صحة رسالة الرسول ..إلخ
ولا شك ان تحت كل خطوة من هذه الخطوات مناقشات وردود يعرفها كل من قرر تعلم دينه بشكل علمي ، ولا يليق بالفيسبوك الخوض فيها ، ولكني أحببت أن أنبه إلى أن الإسلام في مبتدأه بحث عقلي وليس مجموعة من المشاعر الطيبة الوراثية كما يتخيل البعض وأن هذه المناقشات الفلسفية كانت هي محور التعليم الديني في الكتاتيب للأطفال قبل أن ينتشر الخطاب الديني السطحي الذي يدعي أنه يفكر كما يفكر الصحابة وأن هذه الفلسفة المعقدة لم يفكر بها الصحابة ، في حين أنها فقط صيغة علمية مرتبة لمنهج الدعوة الذي سلكه الأنبياء في الحجاج العقلي كقوله تعالى (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) فهذا إشارة للمبدأ رقم 2 ورقم 3
وكقول سيدنا إبراهيم ” لا أحب الآفلين” حيث استدل بالتغير الذي يطرأ على الأجرام السماوية بأنها حادثة ،وغير ذلك من الإشارات العقلية في القرآن التي يفهمها العربي البسيط لخلو ذهنه من الفلسفات المسبقة ، ولا يفهمها الإنسان الحديث إلا بصياغة المقدمات والمصطلحات شأن سائر العلوم.
والخلاصة أن من أراد تعلم دينه وتحصين نفسه بشكل صحيح فعليه بدراسة العلوم الأزهرية التي يعاديها جاهل بها أو عاجز عن فهمها فراح يشنع على أهلها أو صاحب مذهب مغاير لايفصح عنه ولا يناقش الحجة بالحجة بل بالتشنيع والترهيب.. ومن جهل شيئا عاداه

https://www.facebook.com/Alaa.m.abdelhameed/posts/2612912882067962