عن رحلة كفاح نجيب ساويرس، هادية غالب، وخريجي جامعات التلات حروف.
كنت مرة في سيشن كدة لشخص جامد جدًا، معاه ماسترز من هارفارد، فمش محتاج يبهرنا، الشهادة كفاية اني اديله كل تركيزي، ولكن ازاي!!! قعد يحكي عن الريسك الكبير الي خده لما قرر انه ميشتغلش في الفاميلي بيزنس ويبدأ شركته الخاصة
القصة دي مش حادثة فريدة، ولكنها نمط مكرر وسط الأثرياء بدايةً من نجيب ساويرس الي “بدأ ب5000 جنيه وفي خلال سنتين خلاهم 250 الف دولار”، وصولًا إلى الإنطروبرونير الي باع عربيته المرسيدس عشان يعمل ستارتب، وهادية غالب ودينا داش الي بدأوا شركاتهم في سن العشرين.
السؤال هو ليه أولاد الأثرياء بيتنططوا علينا بقصص الإلهام الزائفة؟ وهل هم بيحوروا ولا فعلًا شايفين نفسهم مكافحين؟
هم ليه بيتنططوا علينا؟
لسبب بسيط. هرم ماسلو للاحتياجات. أنت كشخص كحيان عايز تعمل فلوس عشان تاكل كويس، تروح لدكتور الأسنان من غير ما تقعد تحسبها، تعرف تتجوز!
هو كشخص غني، اوريدي معاه كل احلامك الأساسية البسيطة for granted.
فبتبقا احتياجاته كإنسان هي الشعور بالإنجاز وتحقيق الذات وما إلى ذلك. ومفيش مصدر أفضل للحصول على هذه المشاعر من كومنت زي Wow, you’re so inspiring
هل الشخصيات دي بتنافق وبتحور ولا هم فعلًا مصدقين نفسهم إنهم قصص إلهام؟
الإجابة المختصرة: هم مش منافقين، ومصدقين نفسهم 100%.
الإجابة التفصيلية: تعالى ننط لموضوع بعيد سيكا (تاريخيًا، وجغرفيًا)
في ثلاثينيات القرن العشرين، الاتحاد السوفيتي عمل خطة تطوير للمناطق البدائية البعيدة – أوزبكستان حاليًا – كانت مجرد قرى بدائية عايشين على الزراعة فقط، وبدأوا تنفيذ الخطة لتعليم سكان المناطق دي، ولكن فيه قرى قليلة بعيدة لم تنل أي شيء من التطوير والتعليم.
جه رجل عالم نفس (لا أذكر اسمه) قال ما تيجي نشوف هل فيه فرق بين قدرات الناس الي حصلت على قدر ولو ضئيل من التعليم، والناس الي محصلتش على اي تعليم خالص؟ فراح لهم وعمل اسئلة تقيس الذكاء بشكل عام – لا تتطلب أي معرفة – زي:
-رسمة دايرة غير ملونة، ودايرة ملونة ويقولهم ايه المشترك بين الشكلين؟
-صورة ل(بندقية، رصاصة، سكين، طائر) ويقولهم طلع المختلف، بحيث الباقي يكون مجموعة.
اللي أخدوا مقدار ضئيل من التعليم جاوبوا صح عادي. الشيء المشترك إنهم دواير، المختلف هو الطائر.
الناس اللي مخدتش أي تعليم كان ردودهم على سؤال الدايرة “مفيش شيء مشترك بين الشكلين، دة قمر، ودي عُملة”.
طب والمختلف في صورة البندقية والطائر؟ “مفيش مختلف، انت هتحط الرصاصة في البندقية، وتموت الطائر وتقطعه بالسكينة”.
الدائرة – كفكرة مجردة – مش موجودة في دماغهم أساسًا. كل وعيهم وإدراكهم عبارة عن الخبرات الحياتية الي تعرضولها بشكل مباشر فقط، لأنهم لم يتعرضوا لمفهوم زي “الأشكال”، “السلاح” مكانوش قادرين يشوفوا الاختلاف والتشابه.
تخيل معايا عزيزي القارئ، عندك كام وجهة نظر غبية بسبب إنك متعرضتش لمفاهيم جديدة خارج إطار خبراتك التعليمية والحياتية؟
في وجهة نظري جزء كبير من الأغنياء في مصر عندهم الأزمة دي، تعالى نعمل كدة شوية حكم سطحي.
شخص اتولد في حي راقي جدًا، ثم دخل مدرسة اسمها بالانجليزي، كان بيلعب رياضة من وهو خمس سنين غالبًا سباحة، تنس، أو اسكواش في أحسن نوادي مصر، ربما كان بياخد كورس أداة موسيقية أو لغة أجنبية أخرى، ثم كبر ودرس في جامعة تلات حروف وربما درس في كندا أو أوروبا. تكملة القصة هي ان الشخص دة هيشتغل أما في مالتي ناشونال إما مع بيزنس أهله أو يعمل ماسترز في جامعة كبيرة. (أظن انتشار النمط التربوي ده هو الي بيخليك تحس ان كل الأغنيا بيتكلموا بنفس الطريقة).
هذا الشخص يظن أنه كان بطل مصر في التنس عشان هو ملتزم، وموهوب، وهو ظن صحيح جزئيًا، لكنه مش مدرك إن أبوه وداه احسن نادي في مصر، وكان معاه احسن المدربين والى اخره، ولا مدرك إن ناس زيه كان أقصى قدراتها تتمرن في مركز شباب.
ربما يكون الشخص دة دخل مالتي ناشيونال بمجهود كبير بدون واسطة، لكنه مش مدرك إن مهارة زي اتقان الانجليزي كانت عنده من وهو طفل بدون مجهود، في حين اغلب الناس بتقعد تذاكر مئات الساعات عشان تتقن اللغة وتنسى الخرا الي تعلموه في المدرسة الحكومية.
ولما الشخص دة بقا يقرر يعمل بيزنس بنفسه، كان بالنسبة له خروج عن المسار، لأول مرة هيعمل حاجة خارج الإطار اللى أهله رسموه. السوق لا يرحم أحد، ومفيش حد ماسكه من ايده وبيوريه الطريق.
ولكن الي مش مدركه الشخص دة إنه حتى لو فتح بيزنس بدون مساعدة مالية من أهله ، فكل جنيه اتصرف عليه في مدارس وجامعات انترناشونال يعتبر مساعدة ضخمة. بل وحتى ال safety buffer الي بياخده كشخص غني ده بيمثل مساعدة أضخم. هذا الشخص غير مستوعب ولا يتواجد في إدراكه إن في عالم آخر هناك شخص ما هيموت ويعمل بيزنس ولكن عليه أقساط بالكوم عشان بس يتجوز، أو عشان مصاريف مدرسة ولاده وممكن يخش السجن لو تأخر في تسديدها.
في دراسة مثيرة جدًا، هي ان نصف ال white students في جامعة هارفارد، اهلهم كانوا متبرعين للجامعة. وهنا متبرعين مش دلالة على الواسطة، ولكن ان الأهل دول غالبًا كانوا خريجين هارفارد أيضًا، أو أسرة ثرية.
هل هذه الدراسة تنم ان هارفارد يعني عندها عنصرية ضد الفقراء؟ او بتاخد الي معاهم فلوس بس؟ لا أظن دة إطلاقًا.
كل الطلبة اللي هناك شديدي الذكاء والاجتهاد والقبول في هارفارد شديد الصعوبة، ولكن احتمالية قبولك هتزيد أضعاف فقط لو كنت مولود في بيئة بتجهزك لهارفارد من وانت طفل. بالتأكيد محتاج تبذل مجهود وتفكير كبير عشان تحول 5 الاف جنيه ل 250 الف دولار، ولكن الموضوع اسهل بكتير لو أبوك خلاك تدرس في احسن جامعات سويسرا زي نجيب ساويرس.
ربما شخص يتسائل، هل نعذر هذا الشخص الثري؟ هل نعذر عدم إدراكه ان فيه ناس بتعاني سنين طويلة عشان بس تاخد privilege واحد من الي هو واخدهم for granted؟ أصل مش ذنبه يعني انه اتولد غني ومتعرضش لمشاكل الفقراء دي!
اقولك عزيزي القارئ، احنا ممكن نعذره في حالة واحدة فقط. لو هو مش بيفكر بعقله. مش معقول إنك تكون دارس في أحسن مدارس وجامعات مصر وعندك كل الخبرات الجامدة دي، بس مش مندمج في المجتمع بتاعك ومستوعب مشاكله.
فيه ألف حاجة ممكن تعملها تفيد بيها الناس غير مشاركة قصة كافحك وجمدانك. لكن لو قررت تتنطط برحلة كفاحك على ناس تنحت في الصخر عشان وظيفة بخمسة آلاف جنيه ولا عشان تاخد منحة دراسية، فللأسف هتاخد على عينك عشان تفوق، وممكن تعتبر دة أول مواجهة حقيقية مع العالم.