هل نحن أذكى “بيولوجيًا” من البشر الذين عاشوا قبل 100 أو 500 أو 1000 أو 5000 عام؟
لا أظن ذلك. شخصيًا أعتقد أن القيمة الافتراضية لـ “متوسط الذكاء البيولوجي” للبشر لا تتغير كثيرًا، أو رُبما لا تتغير أبدًا.
في هذه الحالة، كيف يمكننا تفسير الاختلاف الواضح بين مجتمعاتنا الحالية، وبين ما تطلق عليه السردية التاريخية السائدة “المجتمعات البدائية”؟
الإجابة هي أن الاختلاف ليس ناتجًا عن وجود فرق جوهري في الذكاء البيولوجي، وإنما عن وجود فرق جوهري في “البنية التحتية المعرفية” التي يبدأ منها كل جيل، والتي تساهم في تغيير “الذكاء الملموس” لأفراده.
بعبارة أخرى، الفرق هو أننا اكتسبنا القدرة على “مراكمة المعرفة عبر الأجيال”، وهو ما يعني أننا لم نعد بحاجة للبدء من الصفر في كل مرة. هذا الأمر يجعل من اختراع الكتابة أعظم ما حدث للبشرية على الإطلاق.
(الذكاء الملموس = ذكاء بيولوجي + عوامل معرفية تراكمية).
في الحقيقة أنت لست بحاجة للمقارنة عبر عدة ألفيات لترى ما أتحدث عنه هنا. كل ما عليك فعله هو أن تتصفح كتاب الفيزياء لطالب في الثانوية عن موضوع الترانزيستور مثلًا.
الأفكار الأساسية المرتبطة بالترانزيستور، والتي تطلب فهمها إفناء العاملين عليها أعمارهم بأكملها قبل 60 عام فقط، أصبح الآن بإمكان طالب متوسط عمره 17 عام فهمها فهمًا تامًا خلال بضعة أيام. ليس هذا فحسب، بل يتم تقديم هذه الأفكار للطالب على أنها “بدائية” ومطلوبة لفهم موضوعات أكثر تقدمًا.
هل يعني هذا أن متوسط الذكاء البيولوجي للطالب المتوسط في وقتنا الحالي أعلى من العلماء الذين عاشوا قبل ستة عقود؟ بالطبع لا. الفرق هو أن البشرية ككل اكتسبت معرفة جيلين، والتي استُخدمت لرفع “الذكاء الملموس” خاصتنا. الآن تخيل الأمر إذا ما تحدثنا عن فرق 200 جيل مثلًا.