مهم أن تعلم أن التخذيل لا يشترط فيه (الإصرار والترصد)، أي أنك قد تصبح مخذلا وأنت لا تدري، أو تنخدع في مخذل وتنفي عنه الصفة لأنك تثق – بصورة ما – أنه يستحيل أن يقصد هذا.
.
الأمر يشبه الكلام عن (النفاق) مثلا، فالقرآن والسنة ذكرا لنا السلوكيات التي تصدرعن المنافق أولا لتقيم نفسك، إذ قد تجد في سلوكك ما يعكس بؤرة نفاق قد خفت عنك في قلبك، وكذلك لتحذر إذا وجدت تلك السلوكيات تصدر عن بعض الناس ممن لا يساورك شك في إخلاصهم.
.
والتخذيل والتثبيط ليسا بعيدين عن هذا، وقد ذكر القرآن والسنة أيضا صفات وسلوكيات تصدر عن الإنسان المتلبس بشيء من ذلك لينتبه لنفسه أولا ويصلحها، وينتبه كذلك للآخرين، كما أن النظر لمآلات بعض السلوكيات قد يكشف لك كم هي ناشئة عن هذا التوجه القلبي والنفسي مهما بدت للوهلة الأولى بعيدة تماما إلى حد التضاد مع سلوكيات المخذلين المعهودة.
.
ومن أصناف المخذلين التي بدأت تتجلى هذه الأيام وتخفى عن الكثيرين، هو ذاك الذي يبدو لأول وهلة متشددا عنيفا بصورة تميزه جدا عن الصورة المائعة الشائعة للمخذل، يهاجم الإرجاء، يهاجم المرجئة، يقول إن فلسطين من الصين إلى أمريكا وليس فقط من البحر إلى النهر، ولكنه في ذات اللحظة تقريبا لا يكاد يدع ساعيا أو عاملا إلا وهاجمه أيضا لأنه ليس على المستوى الشرعي والعملي المطلوب حسب وجهة نظره! لا ترتفع رأس إلا وبحث عن الشعرة التي ينتقدها فيها، ولا تمتد يد إلا وكلمك عن العيوب الخفية أو حتى الظاهرة في أظافرها، فإذا تابعته بتركيز لعشر سنوات مثلا، فلن تجد أن أحدا قد نجا، ولا أن أي عمل قام به مسلم قد لاقى منه قبول! هو يهاجم العامل الذي يهاجم المخذل، وفي نفس الوقت يهاجم المخذل الذي يهاجم العامل.
.
هل هذا – عمليا – يختلف عن المخذلين في شيء وإن هاجمهم! المحصلة العملية هي (أكل ونوم وحسنات بالكوم) مهما بدا لك غير هذا، هؤلاء يدعون لنظرية أسميها نظرية (المسلم الباور بانك)، فنظرا لأنهم لا يكادون يرضون عن أحد ولا يدعمون أي أحد ولو بكلمة خير خالية من الانتقاص لأن ليس في الناس من هو ملائكيا بما يكفي ليرضيهم، تجد نصيحتهم التي تكون – صريحة أو غير صريحة حسب كل فرد منهم – هي أن هذا وقت الوعي، فاكتم ما في داخلك من غضب وحزن إلى أن يأتي من يستحق الدعم فحينها سينفعك ما داخلك من غضب مكتوم! هل تعلم متى سمعت هذه الفلسفة لأول مرة؟ تقريبا قبل نحو عشرين عاما! ولا يزالون يشحنون (الباور بانك) في انتظار أن ينزل لهم من السماء من يوصلهم بالكابل المناسب، ولا يعلمون أن بطاريات من يفكر بهذه الطريقة ستفسد و(تتملح) مع الوقت، فلا تقبل ولا تعطي نفسها ولا من حولها أي نوع من الطاقة أو النور.
.
البطالة المقنعة ليست مصطلحا اقتصاديا فحسب، بل هي حالة عامة قد تظهر حتى في الطريق إلى الله أو في السعي لنفع الفقراء والمحتاجين مثلا (وهذا الصنف موجود أيضا في هذا المجال)، وكذلك في التعامل مع قضايا المسلمين، لا يهم ما تلوكه من مصطلحات وكلام كبير، لا يهم أنك تبدو مختلفا ومضادا للمخذلين التقليدين، طالما أن المحصلة أنك والمخذل التقليدي على مقعد واحد تشاهدون من يحاول أن يبذل شيئا بدون أن تكتفوا حتى بالصمت، بل تنهشون فيه قبل العدو وتخذلون الناس عنه.