وبعد سنوات فى مرمطة الحياة اكتشفت أن أحد أهم الدروس هى أن “من استطاع أن يعيش فى جلباب أبيه فليفعل..”
فورة الشباب كانت تجعلنا نتمرد على طريق الأهل، وعلى عملهم، وأكل عيشهم ، كلنا يحلم بطريقه الخاص، وحلمه الشخصى، وبصمته المميزة .. إلا أن الطرق المختصرة تكمن هناك .. فى جلباب الأهل ..
كان صديقى يتحرق شوقا أن تتخصص اخته فى نفس الفرع من فروع الطب ، أقسم أنه كان سيعلمها ” الصنعة” وينقل لها خبرته، ويختصر لها عشرون عاما من المرمطة فى المستشفيات والمؤتمرات وصفحات الكتب، وفوق كل ذلك ستجد طريقا ممهدا أمامها شقه هو بالدم والعرق والكد ..
وصديقى الذي أنهكته الدراسة العلمية سنوات وسنوات اكتشف فى النهاية أن شغفه وأكل عيشه وثروته تكمن فى الزراعة والأراضى، وهى مهنة والده التى تشربها منذ أن كان طفلا، وأكد أنه لو كان يعلم لدخل كلية الزراعة واختصر على نفسه سنوات طويلة من الجهد والعناء..
هذا ابن رجل أعمال، كد والده كى يؤسس شركته وأعمالها فجاء هو ليستكمل المسيرة ، وآخر ابن لتاجر فعمل عن أن يدفع من مسيرة التجارة ويطورها..
شركة العربي ازدهرت بأيدي أبناء العربي من الأجيال الثانى والثالث استكمالا لما بناه الجيل الأول، هذا تخصص فى إدارة الأعمال، وتلك فى التسويق وهذا فى الهندسة ، ليكونوا فريقا متميزا استكمل مسيرة الآباء والأجداد..
بحثت عن الأطباء المشهورين فوجدت طبيبا صنع مجده على ذكرى والده الذي كان رئيسا شهيرا لأحد الأقسام ، والأمثلة فى الطب أكثر من أن تحصى .. جراح ابن جراح، واستاذ للطب النفسي ابن لأحد أشهر الأساتذة ، وأطباء للعيون يستكملون مسيرة والدهم ..
جلباب الأب هنا لايوفر فقط عملا مستقرا، ودخلا وفيرا، لكنه يوفر ما هو أهم : الخبرة، والعلاقات، و أسرار الصنعة ، والطرق المختصرة لإنجاز الأمور .. وهذه أشياء لا تأتى أبدا من الجامعات ولا الدراسة ولا حتى بالمال
عزائي أن جلباب أبي لم يكن يوما جلبابي ، هو جلبابه التعليم وأنا دخلت الطب ، فلا أجد ما أحزن عليه ..
ولا أستنى من تفضيل الجلباب إلا شخصين : أحدهما نبغ وتميز فى مجال آخر، وظهرت عليه فيه أمارات الذكاء والفطنة والنجاح، وآخر حاول وجرب فلم يفلح فيما فلح فيه أبيه ، أو لم تساعده ظروفه ولا ملكاته ..
اتبع شغفك وحلمك وطريقك الخاص إن شئت ، فهو الطريق الصعب .. أو اختر جلباب أبيك إن كان يناسبك ، وكن نعم الخلف ، واصنع هناك مجدك