التصنيفات
مقالات الضيوف

مفهوم “الكيان”

شيء اعتباري هلامي، ما تقدرش تحاسبه على رذيلة ولا تتوقع منه فضيلة،ولكنه فكرة رأسمالية جدًا لأنها ببساطة بتحط هذا الكيان في مقام الله

ساعات بيتهيأ لي إن اللي طلع بمفهوم “الكيان” ده في الكورة أو في القومية أو في أي جماعة ينتمي لها الفرد هم الرأسماليين اللي أرباح كل الكلام ده بتصب في جيوبهم في الآخر، يعني حاول لدقيقة تفكر في الموضوع بتجرد شوية، الكيان ده شيء اعتباري هلامي مالوش راس ولا رجلين، ما تقدرش تحاسبه على رذيلة ولا تتوقع منه فضيلة، لا بيحل ولا بيربط ولا يملك لنفسه ولا ليك شيء، ما تقدرش تطالب الكيان بحاجة، أو تغير الكيان وتعيد بناءه، لأنه ببساطة منفصل عن الأشخاص اللي بتديره وبتمثله في اللحظة الحالية، ده اللي مشجعين الكورة نفسهم بيقولوه طول الوقت.

يعني الأشخاص التي تدير وتمثل هذا الكيان تقدر تعمل كل الموبقات اللي في الدنيا، وتقدر تنفصل عنك تمامًا وعن قضاياك وهمومك ومشاكلك، بل وتحتقرها وتطرطر عليها جهارًا نهارًا وبأوقح الطرق الممكنة، وتوصل لمستويات من الدناءة والوضاعة إنت نفسك ما كنتش تتخيلها، لكن في نفس الوقت، تبقى ضامنة ولاءك 100%، مش ليها، للكيان، اللي هو إيه؟ السور والرصيف وعواميد النور؟ أكيد لأ، التاريخ والتقاليد والعراقة إلخ؟ طب ما دول صنعهم أشخاص برضه، ما صنعهمش الكيان.

فالكيان هنا هو قيمة غيبية بالأساس، بتعبر -المفروض- عن معنى أخلاقي أو روحي أو مجموعة من القواعد/المبادىء/الطرق لعمل الأمور غير موجودة ولا متحققة في أرض الواقع، ربما كانت موجودة فعلًا عند لحظة ما، بس المهم إن إدارة هذا الكيان ممكن تمشي في الاتجاه المعاكس بالظبط، بس إحنا حنفضل منتمين لهذا الكيان التاني الافتراضي اللي مالوش علاقة بالواقع، وهو ده المطلوب بالظبط، ولاءك غير المحدود للكيان الاعتباري اللي إحنا كإدارة فعلية للكيان مش مهتمين بيه ولا يعنينا في شيء ولا بيلزمنا بأي معايير، بيخليك تستمر في فعل كل الأشياء اللي إحنا ككيان فعلي بقى موجود ع الأرض بنستفيد منها ماديًا ومعنويًا وأدبيًا، فالنتيجة إن الناس تبقى منتمية لكيانات تخيلية، بتعبر عن أشياء غير موجودة في الواقع، الواقع اللي بتملكه بالكامل الكيانات الفعلية وبتعمل فيه اللي هي عايزاه، بينما الكيانات التخيلية اللي الناس منتمية ليها فعلًا، مش باقي منها غير لون قميص أو شعار أو شوية هتافات.

النتيجة جماهير أشباح، رغباتهم وآمالهم تقع على آذان صماء، بس فلوسهم وأصواتهم وأعدادهم حقيقية جدًا، تتحول لاحقًا لمشاهدات وتذاكر وعقود رعاية ضخمة وغيره من الأدوات الفعلية الواقعية اللي بتستخدمها ذات الإدارة عشان تروج لنفسها ولنسختها الحالية من الكيان.

النتيجة كمان إنه مع التكرار والتسليم بالواقع المشوه ده، الكيانات الفعلية اللي بتاخد القرارات وبتخون ثقة الجماهير وقضاياهم وهمومهم، بتتحصن من المسائلة والمحاسبة، ونتحول كلنا لعرايس صيني عمالين نردد بس إننا مش منتمين لفلان ولا علان ولا ترتان إحنا منتمين للكيان اللي هو أكبر من كل دول، وعشان كده حنفضل نعمل كل حاجة لا يستفيد منها إلا فلان وعلان ترتان.

أنا لو رجل أعمال بأكسب من شعبية الكورة ومشاهداتها الضخمة وعقودها الهلامية، مفهوم الكيان ده حيبقى الفكرة العبقرية اللي تمكنّي إني أعمل أي حاجة أنا عايزها، حتى لو كانت حتضر المشجعين دول نفسهم، بس في نفس الوقت تفضل كل حاجة زي ما هي، وتفضل الاعتراضات شكلية، ويفضلوا مش قادرين يتخلوا عن المنتج اللي بأبيعه لهم.

فكرة رأسمالية جدًا لأنها ببساطة بتحط هذا الكيان في مقام الله، فقط الله هو اللي إيمان الناس بيه غيبي ومتجاوز المنطق، فقط الله هو من يُقابل ابتلاءه بالصبر، فقط الله هو اللي بيتساوى عنده الغيبي باليقيني.

المصدر