لماذا يشتهي الناس التبرع لفقراء في بلاد بعيدة أكثر من التبرع لأقاربهم وجيرانهم؟
لأن الإنسان غالبًا يكون لديه تحفظات على المساكين والفقراء ممن يعرفهم معرفة جيدة، فعدم وجود مسافة يجعله يراهم بدون الهالة التي يضفيها الفقر على المسكين البعيد، فقريبته المطلقة التي لا ينفق عليها طليقها يعرف أنها عنيدة أو سيئة الرد مما أفسد عليها حياتها الزوجية، وقريبه المسكين يراه كسولًا منذ أن عرفه في الطفولة وقليل الطموح، وجاره رقيق الحال هو مدخن شره وكثير الجلوس أمام بيته يتفرَّج على الناس الرائح والغادي.
أما الفقير في مجاهل أفريقيا، فهو الفقير المجرد حسبما يتخيل، هو شخص ليس فيه أي تفصيل إنساني غير الفقر، ولأنه يراه هكذا بريئًا وعلى الفطرة وبغير أي التواء أو ملعنة، ولا يتخيله مدخنًا مثلًا، فيراه أولى ممن يعرفهم جيدًا، لذلك يعجبه ويثير خياله أن يحفر له بئر ماء أو يذبح له ماعزًا، تعزيزًا لصورة في ذهنه قد لا يكون لها وجود حقيقي على أرض الواقع، حسب التفاصيل والشيطان الذي يكمن فيها.
الفقير والمسكين في كل مكان له تفاصيل إنسانية لن تروق لك، ولن يخلو أغلبهم من ذلك القدر من النقص البشري الذي يصل أحيانًا بفعل الظروف إلى حد اللؤم أو التظاهر أو إخفاء حقائق جوهرية، أو إخفاء حجم الصدقات التي وصلت إليه حتى عن الشخص الذي شجَّع الناس على التبرع له.
الفقر نفسه يساعد بقوة في تأكيد النقص البشري، ويعمل عمله في الفقراء، ولا يخلو من هذا إلا أكابر الفقراء الذي يمكن أن يصل بعضهم إلى رتبة الولاية، أما أغلب الناس فمثلي ومثلك، بهم ما لن يعجبك.
لا أقول لك لا تساعد الأبعدين، فأنا بريء من هذا التعميم، ولكن أذكّرك بأن تقبل الأقربين على كثير من علاتهم وتعطيهم مما أعطاك الله.
أنفق على من هو قريب منك، بدون أن تشترط أن يعجبك حاله وتخلو نفسك من أي تحفظ عليه.
يركز الناس بطبيعتهم على عيوب الفقراء أكثر مما يركزون على عيوب المرتاحين، ويسهل عليهم السخرية من تناقضات الفقراء أكثر مما يسهل عليهم السخرية من تناقضات الأغنياء، فلا تجعل هذا الميل فينا لأن نكون قضاء على الفقراء، ودعاة للأغنياء، لا تجعله يشوش على شعورك الإنساني
يا حبيبي
اجتهادك في أنك تعطي قريبك على ما فيه من علات جعلتك لا تميل إليه، قد يكون أرجى للثواب.
اجتهادك واحتيالك في أن يصل إليه منك ما ينفعه وينفع أهله ولا يستعمله في معصية قد يكون هذا التعب أرجى للثواب.
اجتهادك في أن تعطي قريبك رغم المسافة التي يصنعها اختلاف المستويات الاجتماعية بين الأقارب، ومما يترتب عليه قرب أهله وأبنائه منك، قد يكون أرجى لأن تأخذ ثواب واصل الرحم.
حتى النكد الذي يصيبك من كونك محتارًا بين مساعدته وخوفك من عدم واقعيته ومساعدته لنفسه، إن شاء الله تؤجر على هذا الهم ويكون طهرًا لمال
شوف ربنا تجاوز عن إيه معاك وأعطاك المال، قبل ما تحط رجل على رجل وتقيّم قريبك وتقرر إنه هو وأولاده يستحقوا يقعدوا كده من غير لحمة، وتدبح لفقير آخر تتوقع إنه مثالي.. إنت ممتاز يعني ؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح. .. الكاشح هو الذي في نفسه شيء من العداوة يحاول أن يضمره ولكنك تشعر به
عدمنا مالنا إن جعلنا هذا بعدا لأهل غزة . لا والله . بل هم الأقربون
هناك جانب آخر للفريقين لم تذكره
وهو حسد القريب المطلع على الحال، واستكثاره على معطيه كلما أكثر له في العطاء رحمة به ورعاية للصلة بينهما
وعلى الجانب الآخر الصدقة في الدول الأخرى أرخص بكثير، يل قد يكون ثمن الذبيحة أقل من ربع ثمنها في بلادنا
فكل من يشتاق لذبح أضحية أو عقيقة ولا يملك إلا القليل يجد مصرفًا في تلك الدول
وهذا لا يعني أن يجعل هذا القليل للقريبين
لأن بعض الشعائر لا تتم إلا بذبيحة كما تعلم