الاكتئاب والدين (4):
كيف تهزم الاكتئاب دون عقاقير؟
في الأجزاء السابقة تحدثت عن دور العقيدة وكيف ساعدتني في التأسيس للشفاء من الاكتئاب.. ولكن ما ذكرت لم يكفي لهزيمته كليا.. فقط ساعدني في تهيئة القلب والعقل لتقبل الألم بنظرة شمولية تساعدهما في وضع كل الخطوات العملية القادمة في سياقها الكُليّ.. أو كذلك كانت تجربتي..
فبعد العقيدة جاء دور التطبيق والتسليم للقواعد التي وُضعت للإنسان ليحيا في صحة نفسية.. فكل ما سأذكر يمس جودة الحياة بشكل مباشر.
أولاً: الاكتئاب أنواع فتأكد قبل قراءة التالي أنه تم تشخيصك من قبل متخصص.. لأن موجات الحزن أو تغير المزاج وفقدان الشغف ليس بالضرورة أن يكون اكتئاب. فالاكتئاب أنواع متعددة.. اكتئاب حمل واكتئاب ما بعد الولادة واكتئاب ما بعد الصدمة.. واكتئاب مزمن.. وهكذا.. وبداية العلاج التشخيص السليم
ثانياً: الاكتئاب يصنف مرض عقلي، لكن المسمى الأكثر شيوعاً هو أنه خلل كيميائي خاص بناقلين عصبيين (لو ترجمتهم مظبوطة) هما السيرتونين والنوربنيفرين.. ولذلك يعتمد بعض الأطباء على عقاقير لتصحيح مستوى إفرازهم.. لكن هل العقاقير مجدية لتشفي؟ لا أولا ليس هناك تقنية نستطيع بها قياس مستوياتهم في الجسم.. ولذلك لا نعلم مدى تأثيرهم بشكل دقيق.. ولذلك فهم مثل مسكنات.. تساعد في تجديد الخلايا المفرزة لهما ولكنها لا تعالج السبب الرئيسي الذي تسبب في خلل إفرازهما من البداية.
فكأنك تملئ كوب مشروخ.. لو لم تعالج الشرخ لن يجدي الملئ شيئا.
ثالثاً: لتعالج الاكتئاب لابد من تشخيص دقيق لمسبباته.. والطبيب ما هو إلا أداة تساعدك على اكتشاف أسباب ذلك من خلال قدر ما تشاركه من تفاصيل..
وهكذا أوضحت أن هناك علاج دوائي للاكتئاب وهناك علاج سلوكي ومعرفي.. الدوائي وحده غير مجدي.. أما السلوكي والمعرفي مجدي وفعال دون الدوائي..
إذا كيف عدلت كيمياء مخي وهزمت الاكتئاب بخطوات عملية؟ كيف هزمت الخطايا السبع؟
١-جودة الحياة الاجتماعية: الدوائر الاجتماعية القريبة من أهم أسباب السعادة أو المرض.. ولذلك فإحاطة نفسك بأشخاص تساندك وتحبك وتؤمن بك شئ أساسي للتخلص من جذور الإحساس بالدونية والحزن وعدم الثقة.. ومن ابتلاه الله بعائلة أو زوج أو زملاء يكرروا الأذى فليحيط نفسه برفقة عمل أو صداقة تعوض النقص.. وهذا ما فعلته.. فحين كنت بين لم يحب أو يفهم .. بحثت عمن يشبهني.. فرأيت نفسي بعيون مختلفة..
ولكن بالرغم من أن البعد عن مصدر الألم ضروري ولكنه غير متاح طول الوقت مع كل الناس..لذلك ساعدتني العقيدة في أن أرى الناس على قدر عقولها.. فأشفق على المسئ وأسامحه وأتعلم منه ما لا يجب أن أكونه..
فمن أسباب الصحة النفسية أن تغير من منظورك لما لا تستطبع تغييره..
ولذلك مع الناس تجنبت من يؤذيني.. واقتربت ممن يقبلني ويفهمني ويراني جميلة ( الكلام الطيب يؤثر في كيمياء المخ.. ويحسن التركيز والإنتاجية ، فحديث الكلمة الطيبة صدقة حقيقي حرفيا) وتصالحت مع مصدر الأذى المستمر.
(هزيمة الغضب وتحويلها لإحسان)
٢- إدراك الذات: أكثر ما نفعني الاعتراف بنقصي والتصالح معه.. الله لم يخلق خلية في الجسد بخط مستقيم.. لم يخلق الجبال ولا الإنسان ولا سحب السماء بخطوط مستقيمة.. ولنا في خلقه آية.. فعدم الكمال هو قمة الإنسانية..فالتفرد وما ينقص فيك يصب في زيادة في شئ آخر لديك.. فياعي للكمال دائما خائب الظن..
ولذلك فقبلت تواضع جمالي الشكلي في مقابل وقت مستثمر أكثر في الفكر.. وقبلت حساسيتي في مقابل قلب رقيق يشعر بالناس.. إلخ وكذلك قبلت النقص في كل أنواع الأرزاق الأخرى.
(هزيمة الغرور وتحويلها لإدراك)
٣- أيقنت أنه لا تنافس إيجابي إلا مع الذات.. طول ما بتطور أنا ناجحة بظروفي..
وكل التنافس بين البشر تغذية للأنا وقصر فهم وضيق رؤية.. لا أحد سيكون أنت بتطابق ولن تكون أحد غيرك بتطابق.. فلا داع للمقارنات
(هزيمة الحسد والجشع وتحويلها لخير ورضا)
٤- خصصت جزء من يومي لما أحب.. اتحدث مع من أحب.. أرسم.. أكتب..وده كان شئ كاف لافرغ طاقتي السلبية وكاف يفرز هرمون السعادة..
٥- غيرت طريقة أكلي.. الدراسات أثبتت أن ٩٠٪ من السيريتونين مصدره الجهاز الهضمي.. ودراسات تانية أثبتت أن تناول المأكولات السريعة يسبب الاكتئاب للمستهلكين ٥٠٪ أكثر ممن لا يستهلكه..
كل ما كان أكلي ملون وأخضر وطبيعي كل ما نفسيتي تحسنت.. وأمثلة للأطعمة: العسل الأبيض بدل السكر.. التمر بدلا من الحلويات..
الأطعمة الغنية بفيتامين ب ٦ مثل اللفت ، القرنبيط، الثوم، الأسماك خاصة السالامون والتونة ،السبانخ، الدجاج والديك الرومي.. ومعظم الأطعمة المخمرة..
والحبوب كالحبة السوداء (حبة البركة) وحبوب القطيفة والكينوا.. والمكسرات زي اللوز وعين الجمل..
كل حد يبحث في العلاقة بين الطعام وإفراز السيريتونين ..
أيضا يمكن التأكد من تناول الحصص الغذائية المطلوب من الفيتامين عن طريق مكملات غذائية إن لم ترد أو لم تحب هذا الطعام..
والصيام.. مرتين في الأسبوع.. و٣مرات في الشهر يخلص الجسم من السموم.. وبيحسن النفسية..
(هزيمة الشراهة)
٦- الرياضة والتعرض للشمس..الأثنين بيعدلوا مستويات السيرتونين.. والرياضة بتفرز هرمون الدوبامين المسئول عن الشعور بالسعادة ..
الرياضة ممكن أن تكون تمرين أو جري أو قفز أو رقص .. المهم يكون هناك حركة..
ولهذا الهدف أعتقد فرضت علينا صلاة الفجر لهزيمة شهوة النوم..
(هزيمة الكسل وكثرة النوم وتحويلها لطاقة)
٧-العمل.. العمل
انشغلت بالعمل والدراسة والتطوع.. لا وقت فراغ.. لا عزلة.. لا وحدة.. لا شهوة.. لا شهوة جسد أو لسان أو تلصص وتتبع للناس..
(هزيمة الشهوة)
فالعمل والاحتكاك بقصص مختلفة توسع المدارك.. فساعدتني أشوف نفسي بعيون مختلفة..
٨- القراءة! كلما قرأت تسلحت بقوة المعرفة.. قرأت عن الاكتئاب طبيا واجتماعيا ونفسيا ودينيا.. وصادقت المكتئبين وقرأت قصصهم.. فتأكدت أنني لست وحدي وأن هناك حياة بعد الاكتئاب..
فالاكتئاب حالة عامة تصيب العقل والجسد والشهية وجودة الحياة ولهذا فالعلاج والصحة النفسية حالة عامة من جهود تدريجية تستهدف كل ما سبق!
والمفاجأة أن كل ما سبق وجدت أصله في الدين.. فيُتبع في الجزء الأخير عندما سأشارككم الخلاصة إن شاء الله..