التصنيفات
مقالات الضيوف

غُنا البلد

الأغنية التى تستحق دون غيرها شرف أن تكون السلام الوطني لكل مناسبة

كانت مصر محظوظة طول الوقت بشعراء كتب كل منهم نشيدا وطنيا لكل مناسبة ستمر يوما ما على الناس فى مصر.

قُدمت أغنيات كثيرة لعيد الأم و شهر مضان و انتصار أكتوبر و أعياد الميلاد و العيد الكبير و الربيع، كان الوقت كفيلا باختيار الأغنية التى تستحق دون غيرها شرف أن تكون السلام الوطني لكل مناسبة من السابق ذكرهم.

واحدة فقط من كل هذا الإنتاج الضخم اختارها الوجدان العام لتكون هي السلام الوطني الرسمي للمناسبة. اؤمن أن السر عند الشاعر الذى اكتشف سر البهجة الكامن في هذة المناسبات، انحاز الوقت للأغانى التى وضعت يدها على المنطقة اللامعة فى الحدث.

لم تصبح أغنية ( يا ليلة العيد) هى النشيد الوطنى الرسمى لعيد الأضحى فى مصر لأنها فقط من غناء أم كلثوم، لكن لأن الشاعر أحمد رامى استطاع أن يفك شفرة فرحة ليلة العيد و يضع يده على المنطقة الملهمة فيها و هى أنها ( جددتي الأمل فينا). وصلنا إلي ليلة العيد سالمين بعد “خناقة” وهو ما يجدد الأمل في أن نفعلها مرة أخرى. على مدى سنوات طويلة تهز أجيال من المصريين رؤوسها تأمينا على اكتشاف رامى الذى لخص به الموضوع، ظهرت عشرات الأغنيات عن العيد تحكي البهجة لكن الوحيدة التى فسرتها كانت الأغنية التي كتبها أمين مكتبة دار الكتب المصرية. الأغنية ألحان رياض السنباطي.

فى نشيد الصباح ” يا صباح الخير يللى معانا” أقتنص بيرم التونسى مفتاح بدايات اليوم كما يفضلها كل شخص معجون بمصر (يا هناه اللى يفوق من نومه .. قاصد ربه وناسي همومه) خلطة الهموم و العشم فى الله يمكن اختيارها الخط الأساسي في قصة حياة معظم سكان هذا البلد، لم ينف بيرم أن هناك “على الصبح” هم ما، لكنه أشار اللي الطريقة التي نتعامل بها مع الموضوع كمصريين، و هي طريقة ناجحة تجعل دائما ” البدرية ساعة هنية”.الاغنية ألحان:محمد القصبجي.

فى نصر أكتوبر نجحت على الربابة لأن الشاعر عبد الرحيم منصور أمسك كثيرين من قلوبهم بأن كتب شعور كل من هو ليس على الجبهة ( ما أملكش غير إنى أغنى و أقول تعيشى يا مصر)، في قرارة نفس الملايين المحتشدين إلي جوار أجهزة الراديو يتابعون البيانات العسكرية يقين بأنه لا سلاح غير الدعاء يمكن المشاركة به في الحرب، وإن كان ثمة شعور أنه سلاح لا يضع صاحبه في الصفوف الامامية إلي جوار من تراصت أرواحهم فوق فوهات بنادقهم، أو كما قال منصور (و إيه هاكون جنب عشاقك يا مصر).الاغنية ألحان:بليغ حمدي

فى فراق شهر رمضان كتب عبد الفتاح مصطفى ما جعل الحزن على من نفارقه عميقا لكنه يغلف العريس المغادر بشهادة تقدير لم يحصل عليها أحد يوما ما و هى كونه ( هالل بفرحة .. و مفارق بفرحة) هناك شىء يفرحنا وصوله و يزعجنا فراقه و هناك شىء يزعجنا وصوله و يفرحنا فراقه لكن رمضان هو الوحيد الذى يقترن قدومه و فراقه بفرحة، “قفشها” عبد الفتاح مصطفى فأصبحت “تم البدر” هى الأغنية الرسمية لوداع رمضان، مأمور الشهر العقاري الشاعر المتصوف الذي كان يصلي إماما بام كلثوم اختار الجملة التي يودع بها أي مصري- صادق و خجول ولا يمتلك قاموسا كبيرا يعبر به عن نفسه- عزيزا على أمل لقاء مشمول بالفرحة من جديد “والله لسه بدري”.الاغنية الحان: عبد العظيم محمد

وضع جليل البنداري يده على ثلاثة أسباب لفرحة أي فتاة مصرية بالخطوبة، “شبكنا بدبلته و قرينا فتحته و عرفنا نيته و غلاوته عندنا”، الأغنية الوحيدة التي عملت حسابا لحدث مثل “قراية الفاتحة” مفتتح الفرحة التي لا تخلو من بعض القلق الذي تبدده خطوة “الدبلة” التي تكشف “نيته و غلاوته عندنا”، لم يتغزل البنداري في جمال العريس و فستان الفرح و ضجيج المعازيم، عرج مباشرة إلي ما يفسر لكل فتاة مصرية فرحتها التي تقف على أقدام ثابتة بفعل الصدق و الغلاوة و سلامة النية في حراسة “الفاتحة”.الاغنية ألحان:منير مراد

الشاعر حسين طنطاوى كان يكتب برنامج الأطفال غنوة و حدوتة لأبلة فضيلة إلي جانب عمله كموظف في وزارة العدل، و عندما جاءته فرصة الكتابة عن “شهر رمضان” اختار أن يكتب لنفسه، لم يعبر عما تتمنى لجان الإذاعة الاستماع إليه وهي تقبل أو ترفض نصوص الأغاني، قرر أن يتحدث لشخص يحبه( بتغيب علينا و تهجرنا و قلوبنا معاك … و فى السنة مرة تزورنا .. و بنستناك)، ثم وضع كلمة واحدة في متن كلماته قفزت بالأغنية بعيدا عن المنافسة و جعلتها السلام الوطني، “فرحنابه”، مفردة لا يستخدمها ولا يجد فيها جرسا محببا سوى المصريين، ربما لو كان كتب “فرحنا بيه” لم نكن لنتوقف كثيرا أمام الغنوة، لكن مفردة طنطاوي تخصنا و تشبه قناعة قديمة مستقرة في الوجدان أن شهر رمضان هو نصيب مصر من الإسلام، بخلاف أن قليل من التركيز سيجعل الواحد يكتشف أن وصول رمضان لم يجعلنا “مبسوطين أو طايرين من السعادة”، ضبطة الميزان في ( فرحنابه) لا أكثر ولا أقل .الأغنية ألحان: محمود الشريف

شريف المنياوي سيناريست، كتب الكثير من الأفلام لعادل إمام و أحمد زكي و غيرهم، ولا يمكن معرفة كيف ظهر في فيلم “الحفيد” كشاعر كتب أغنية السبوع التي استقرت في الوجدان بلا منافس، فسر المنياوي نجومية المولود بكونه “أصغر واحد في العيله”، صحيح أنه استخدم التعبير الدارج “حلقاته برجالاته” وهو تعبير بدوي صحراوي يتمنى فيه المحتفلون للمولود أن تكون الحلقان التي سيرتديها شابا حسب عادة القبائل هناك هدية من رجالها، خليط من أمنيات السعادة و العيش في خير كبار العائلة، لكن المنياوي لم يتوقف عند الجملة الشائعة و كتب “يتجوز على قد حالاته”، تعبير “على قد حالاته” مختوم ب”صنع في مصر”، جملة من قلب البيوت المصرية يرون فيها اختصارا لوصفة السعادة الزوجية، لم يتمن المنياوي للمولود الصحة و المستقبل المشرق و الأدب الرفيع و كل كلاسيكيات الامنيات المشابهة لكنه و كما تتمنى كل عائلة مصرية في قرارة نفسها في مثل هذة اللحظات أن يصبح المولود “جن مصور زيه مافيش”.الأغنية ألحان: فتحي حجازي

” إبراهيم جكلة” الفنان الشامل مطرب و ملحن و ممثل و مؤسس نقابة العوالم، كتب و لحن أوبريت “عيد ميلاد أبو الفصاد” ثم رحل بعدها بسنوات قليلة، لم ير بعينيه كيف أن أغنيته أصبحت السلام الوطني لأعياد الميلاد في مصر، يلتف المحتفلون حول التورتة و يؤدون على سبيل الواجب بإيقاع بطيء و ابتسامات بُذل فيها بعض المجهود “هابي بيرث داي تو يو”، ثم يتغير كل شىء في ثانية، تحضر البهجة فور أن تبدأ فقرة “يالا حالا بالا هنوا ابو الفصاد”، لا دليل على فرق مشاعر الإحتفال بين “هابي بيرث داي تو يو” و “أبو الفصاد” أكثر من أن التصفيق الصارخ لا يظهر إلا مع أبو الفصاد، تصفيق يمتلىء بالسعادة و النشاز السعيد و سخرية مرحة من صاحب الليلة أيا كان عمره أو مكانته بتحويله لثوان لطائر سمين بمنقار مدبب.

بألحان كمال الطويل أصبحت أغنية “الدنيا ربيع و الجو بديع” السلام الوطني لمرح بداية هذا الفصل لأن صلاح جاهين قبل أن يكتب كلمات الأغنية كان يعرف من الذي سيغنيها، لذلك لم يكتب جاهين الربيع و بهجته، لكنه كتب “سعاد حسني”.

المصدر