التصنيفات
مقالات الضيوف

طريقة صنع ‘‘طفل شارك‘‘

ازاي أطفال في هذا السن عندهم رفاهية التفكير في نشاط مماثل؟

شوفت حلقة الأطفال الثلاثة في شارك تانك..وشوفت حجم الانبهار بطريقة تفكيرهم زي رجال الأعمال طبعًا..وعايز أحكي قصة، أو شويّة قصص، يمكن تفهم بعدها طريقة صنع ‘‘طفل شارك‘‘ يتحدث إنجليزي وفرنساوي، وبيتكلم عن ال 100 ألف جنيه باعتبارها 200 ج.

من كام سنة عدّى عليا بنت عندها 15 سنة، مشوفتش بنات كتير في شطارتها، أنا طول عمري شايف نفسي شاطر في الإعراب، بس هي كانت أشطر، مهما كانت الجملة هتعرب صح..تقدر كمان تجمع أرقام كبيرة من غير آلة حاسبة، ودماغها كومبيوتر صغير، جايز ميكونش مليان قصص تاريخية مثلًا، لكن تمتلك قدرة مذهلة في استدعاء المعلومة وحفظها..والدها كان جنايني نص أسطى، يادوب يقلّم الشجر ويسقي الزرع، على حسب ما الصحة تقول، لكن كان مخلص ودي سمة عظيمة..كان عنده غيرها ولد وبنت كمان، لكن البنت دي كانت أشطرهم..ألحت عليه ألف مرّة أنه يسيبها تكمّل في التعليم، حاول يمين شمال، لكن في النهاية معرفش..بيجوز بنت وابنه محتاج علاج كثير وعايز مصاريف..فلازم تخرج من المدرسة..وفعلًا سابتها واشتغلت مع أمها في التنضيف.

مرة والدها جاء وهو في قمة زعله..شوفت مدام فلانة؟..مالها..قالت لي هات ابنك وبنتك يجوا معايا سفرية، هيتفسحوا مع ولادي وأهم يشوفوا دنيا جديدة..الراجل فرح..ولاده لأول مرة في عمرهم هيشوفوا البحر..البحر المالح..هما في بلدهم الأم بيسموا النيل بحر، لكن عمرهم ما شافوا المتوسط ولا الأحمر..وافق طبعًا والسفرية خلصت في أسبوع ورجعوا..والبنت والولد نفسيتهم متكسّرة ألف مليون حتّة..ليه..مش غيّروا جو يعني؟..لأ..المدام كانت حطاهم حراسة..نخرج من الشاليه، أنتوا موجودين تنضفوا..نخرج على البحر، تشيلوا الفوط ولبس السباحة، والحق يقال..كانت لازم تأكلهم 3 وجبات..لكن في المطبخ..لا يروحوا معاها مطعم ولا يقعدوا على ترابيزة سفرة..الولد والبنت شافوا البحر وكلوا بروتين يمكن لم يتناولوه طوال أعمارهم في هذا الأسبوع..لكن رجعوا بكسرة نفس مهولة..هما كانوا رايحين خدّامين، يتفرجوا على الدنيا في فاترينة، وتعدي قصاد عينهم وميقدروش يلمسوها.

ساعات فعلًا بسأل نفسي..طيب ماذا لو كانت البنت كمّلت تعليمها؟..ماذا لو كان الأب ميسور وقدر يأخدها يطلعها مصيف، بدل ما هو سايبها لمدام في العمارة تبيع وتشتري فيها؟..ماذا لو كانت قد شعرت بآدميتها؟..صحيح..نسيت أحكي لك..بعد قصة المصيف..البنت رفضت تكمل عيشة مع والدها في القاهرة..وأصرت ترجع قريتهم وتعيش عند عمتها..وأقسم لك أن القرية بأكلمها لم تعرف حتى اختراع الأسفلت وبعض بيوتها لم يشاهد حنفية مياه إلا في الجامع..وفي الآخر الأب وبعد إلحاح الأم..وافق..والبنت رجعت لعمتها..ليه؟..لأنها مكسوفة وحاسة إن دي مش دنيتها ولا دول ناسها…ترجع للي شبهها واللي مش لازم حتى وهو بيتعطّف عليها، يُشعرها إنها خادمة..ماذا لو كانت مولودة لأسرة معتدلة الحال؟..ببساطة كان زمانها في مدرسة، شايلة هم الامتحان، وبتحلم ببكره، بوظيفة ودراسة جامعية، مش بتلف تشيل شنط في المصايف.

مبسوطين بأطفال شارك تانك؟..هذا انبساط كذوب..السؤال اللي المفروض يطرحه ظهورهم..ازاي أطفال في هذا السن عندهم رفاهية التفكير في نشاط مماثل؟..ببساطة الأهل..أهل معاهم ملايين، بيصرفوا على ولادهم مئات ألوف الجنيهات سنويًا في مدارس دولية، أطفال متوفر لها كل شيء، أكل وشرب وخروج وفسح ورفاهيات ومصروف وهدوم..طبيعي بعد ما اكتفت الاحتياجات الأساسية يبدأوا يفكروا في شيء تاني..يتكلموا زي رجال الأعمال في شيء يشبه المشاريع العملاقة لما اتكلموا إنجليزي..لكن لا مشروع ولا عملاق ولا ريادة أعمال عبقرية ولا مهارات تواصل خلابة..خالص..أطفال في عمر العاشرة بيسوقوا لوادر، وواقفين في محلات بيلاغوا الزباين، وشاطرين في البيع من غير كورسات، وبيرجعوا آخر اليوم، بفلوس تصرف على أهاليهم نفسهم..بس العيال دي شكلها مش جذاب..من السيالة والحضرة والزاوية وامبابة وبولاق أبو العلا، في ضواحي المنوفية وأرياف الشرقية، وبراري الصعيد..بس دول بيشتغلوا فعلًا وسابوا التعليم لأن ملهمش حد يصرف عليهم، ولو كانوا كملوا كانوا بقوا إضافة لألف مجتمع..مش بيلموا فلوس من أهاليهم ويقولوا عملنا مشاريع ونصفق لهم متأثرين.

تخيّل في أمريكا سنة 2019 صدرت دراسة من مركز جورج تاون للتعليم والقوى العاملة..الدراسة دي كانت بتحاول تجاوب ببساطة على سؤال..هل لو اتولدت لأسرة فقيرة هتقدر تحقق نفس نجاح الأطفال اللي بيتولدوا في أسر غنية؟..الدراسة استمرت لسنوات طويلة كانت بتحلل البيانات الحكومية للتعليم..والجواب اللي خرج به معدّو الدراسة كان صادم..لأ..الأطفال الفقراء اللي كانوا شاطرين في مرحلة الابتدائي وكان ظاهر عليهم علامات النبوغ والتفوق..مكنش لهم فرص كبيرة أنهم يتخرجوا أصلًا من مدرسة ثانوي أو كلية جامعية أو حتى لو اشتغلوا ياخدوا أجر كويس…في حين أن أولاد الأغنياء اللي كانوا فاشلين في التعليم الأساسي..دخلوا جامعة واتخرجوا بياخدوا رواتب بعشرات الألوف..ليه؟..الأهل..ولادتك لأسرة فقيرة بترسم مستقبلك العمر كله في أغلب الأحيان، والحالات اللي بتعدّي بتكون استثناء الناس تتغنى به ويقولوا عصامي..إنما ابن الغني مهما كان بيقدر يلاقي فلوس أبوه ورا ضهره، تفتح ألف باب مقفول، وتصلح ألف طريق مكسّر.

ودي أمريكا..اللي لسه فيها فرص هائلة للترقي الاجتماعي..ما بالك بأم الدنيا اللي لو اتولدت فيها لأسرة فقيرة، حتى مش هتلاقي سرير في مستشفى نضيفة لو قلت في يوم تعبان..أم الدنيا اللي الناس مقسومة فيها طبقات ومفصول بينهم بسياج من لهب عشان محدش ينط ويعدي الناحية التانية..ما بالك بأم الدنيا؟..طبيعي الأهالي اللي معاها فلوس تدخل ولادها مدارس دولية فرنساوي ويبقوا شاركس..واللي مش لاقي اللضا وبنته تكون شاطرة، لازم يخرجها من التعليم وتشيل شنطة المدام لغاية ما تتعقد في عيشتها..وبين الصنفين..كوكب تاني بيحاول النجاة..أهالي تدبّر القرش ع القرش وتحرم نفسها من ملذات الدنيا عشان نفسها تشوف بنتها دكتورة وابنها باشمهندس وينطوا درجة على السلم الاجتماعي..وللأسف قليل جدًا اللي بيوصل، والباقي بيغرس في شهادة من كثرة حامليها لم يعد لها قيمة..وتستمر الدائرة..الغني يورث الغنى لولاده، والفقير يورث الفقر، وراجي الستر والنجاة، بيحلم بس إن ولاده في يوم يلبسوا بدلة وياخدوا مرتب، لو اتجمع في عشرين سنة..ميكفيش يدخل ولاده حضانة في مدرسة دولية.

عمر منظر أطفال الشارك تانك ما يبهرني..هيخليني بس أسأل سؤال..ماذا لو كان الطفل أليكس ال CEO ابن ذلك العم الجنايني؟..وماذا لو كانت الفتاة التي خرجت من التعليم قد وُلدت في أسرة أليكس؟..والسؤال الأهم..كم طفل عنده القدرة يبقى زي الأطفال دي، ومبقاش ولا عمره هيبقى فقط لأن أهله مستورين أو فقراء؟..القصة هي قصة الأسرة والنشأة..أهلك معاهم فلوس الناس هتقول الله يا طفل يا شارك، مش معاهم هتفضل بالنسبة لهم صفر على الشمال..ويبقى حظك حلو لو أهلك تعبوا جدًا واشتغلوا عشر شغلانات عشان بس متشيلش شنطة المدام في المصيف..ربما يتوارد سؤال لذهنك الآن..هل تلوم يعني أطفال الشارك تانك؟..سأجيبك ب” لا “..ألوم اللي حرم ملايين الأطفال غيرهم من فرصة إنهم يحلموا، لما حرم أهاليهم حتى من الكفاف والعيشة الآدمية..ألوم اللي رسخ وضع إن لو مكنش أهلك معاهم فلوس، فعليًا هتعيش الستين سنة القادمين من عمرك في معركة واحدة..الرغبة في الرحيل من الدنيا مستورًا دون سؤال اللئيم..واللي يعيش خايف من الدنيا..مستحيل يكون قدها !

المصدر