سؤال الهدف والغاية من الوجود ليس من الأسئلة التي تخضع للبحث العلمي أو حتى للنظر المنطقي .. بل هي مسألة إيمان واعتقاد .. فإن الحكمة من خلق هذا الوجود والغاية من وجودنا نحن فيه تبدو متعددة ومركبة .. بعضها ظاهر لنا وجلها خفي عنا.
فما هو ظاهر لنا وأخبرنا به الله سبحانه وتعالى هو أنه أوجدنا لمعرفته ولعبادته .. وأنه أوجدنا لخلافته في الأرض (الكون!) ولعمارتها .. وأنه أوجدنا لاختبارنا أينا أحسن عملا .. ومع ذلك فإن الحكمة الكاملة وراء علة الخلق والإيجاد تبقى خفية .. إذ كما أخبرنا سبحانه وتعالى أنه غني عن عبادتنا وأن طاعتنا لا تزيد في ملكه شيئا وأن معصيتنا لا تنقص من ملكه شيئا .. كما أن عمران الأرض لا يمكن أن يكون مقصودا لذاته لأن الأرض ومن عليها إلى فناء .. كذلك فإن الحكمة الإلهية من وراء خلقه البشر لاختبارهم تظل غير واضحة لنا كذلك.
ومع ذلك فإن كل محاولاتنا للفرار من سؤال المعنى والغاية بالانشغال بما هو تفصيلي وجزئي وما هو الآن وهنا تبدو فاشلة .. بل وكل ما وصلنا إليه من حل أحجيات الكون على مستوى الميكرو وصولا إلى سلوك الإلكترونات في الذرة وعلى المستوى الماكرو من خصائص الثقوب السوداء ونظريات بدء الخلق قد تجيب عن سؤال ماذا وكيف .. لكنها لا تجيب عن سؤال لماذا. كما أن إنكار وجود هدف وغاية مع ما نراه في الكون من بنية مذهلة محكمة وقوانين صارمة وما نعايشه في حياتنا من أقدار مقدرة ومتشابكة “كنسيج أحكم غزل خيوطه” يجعل من هذه الفرضية محاولة طفولية للهروب ليس إلا.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإذا ألجم الإنسان غروره، وألزم نفسه بما أُذن له به من علم وما كشف له من غطاء، فإن الأمر قد يصبح يسيرا .. صحيح أن الحكمة الكاملة غير واضحة لكن يكفينا ما أخبرنا الله به .. خلقتكم للإيمان والعمران .. وهيئتكم لذلك بالعقل والوحي .. فكونوا عبادا صالحين مصلحين