التصنيفات
مقالات الضيوف

زيغ العلماء ، شبهة أم نبوءة

في خلال السنوات الماضية ومن متابعتي لصفحات وكتابات الكثير من الشباب المسلم ، كانت أفعال ومواقف بعض المنتسبين للعلم الشرعي الخاطئة أو المتقلبة حاضرة بقوة كمدخل لإثارة الشبهات حول صحة الدين عموما أو حول فاعليته في نفع الناس والواقع في حين أنه لم ينفع – حسب قولهم – من تعلموه بعمق وبكثرة لسنوات.

وهذا الاستدلال غير منطبق من كل الوجوه، فعقليا لا توجد علاقة ضرورية بين اكتساب العلم وتغير السلوك، لأن السلوك لا يتغير بمجرد معرفة المعلومة ، فالمدخن لا يترك التدخين لمجرد معرفة أن التدخين يقتله ، والمتهور في القيادة لا يلتزم بالسرعة بمجرد رؤيته لضحايا السرعة ، فالالتزام بالمعلومة يحتاج إلى قدر إضافي داخلي يقدم به الإنسان ما يعرف على ما يهوى وليس بمجرد التعلم والمعرفة.

أما شرعيا فلم يأت في الشرع ما يربط بين العلم والهداية ربطا ضروريا بل دل الشرع على أن العلم مهم ومطلوب لتحقق الهداية، ولكن الهداية ليست نتيجة مؤكدة تحدث بمجرد التعلم، وفصل فصلا واضحا بين التزكية والعلم، بل وجاء في القرآن والسنة حكايات عن السابقين ونبوءات عن المستقبل تقص حال من يتاجرون بعلمهم ويخالفونه وتحذر منهم أيما تحذير، أي أن وقوع مثل هذا الزيغ والتبديل من المنتسبين للعلم في الأزمان التالية للنبي صلى الله عليه وسلم هو في حقيقته أقرب لأن يكون نبوءة ودليل صحة لنصوص الوحي وليس شبهة ضدها، ويفهمنا لماذا اختص ربنا أصول الإسلام بالحفظ من التحريف بخلاف الأمم السابقة التي كان ينحرف بعض علمائها فيبدلون النصوص فيأتي نبي جديد ليكشف زيفهم، أما رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لأنه النبي الخاتم حفظت النصوص من التحريف ليبقى مجال العلماء الفاسدين منحصرا في التأويل وهو أمر يسهل كشفه بالنصوص المحفوظة.

ووقوع مثل هذا الزيغ الذي يتطلب من المسلم جهدا وإخلاصا وحرصا للوصول إلى الحق أمر متسق مع الطبيعة الامتحانية للحياة الدنيا، فإذا كان معاصرو الأنبياء يقع عليهم عبء معرفة النبي الحق من مدعي النبوة فلن يكون الخلف بلا اختبار في هذا الصدد إذ يقع عليهم عبء تمييز العالم السائر على هدي النبي صلى الله عليه وسلم حقا والحائد عن طريقه، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.

وفيما يأتي مجرد أمثلة قليلة للنصوص التي تدل على ما ذكر عاليا:
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)) سورة الأعراف

(وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)) سورة الجاثية

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)) سورة آل عمران

(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)) سورة البقرة

وقد جعل مدار النجاة على سلامة القلب
(وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) سورة الشعراء

عن حُذَيفَة بن اليمان قال: كان الناس يسألون رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دَخَنٌ))، قلت: وما دَخَنُه؟ قال: ((قومٌ يَهدُون بغير هَديِي، تعرِف منهم وتُنكِر))، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: ((هم من جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتَزِل تلك الفِرَق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة حتى يُدرِكَك الموت، وأنت على ذلك)) رواه البخاري.

(إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أمَّتي، الأئمةُ المضلُّونَ) صحيح الجامع.

وجعل من أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة (عن علمه ما عمل به) ، ليدلل أن مجرد حصول العلم لا يعني عمل المرء به ، ولا نجاته ولا صحة مواقفه ، إنما الحساب على ما عمل بعد العلم ، ولو كان العلم مساويا لحصول الهداية والصواب لما كان لهذا السؤال معنى.
.
وكذلك في حديث ((ثلاثة يؤتى بهم يوم القيامة: مجاهد، وقارئ، ومتصدق، فيقال للقارئ العالم: في ماذا تعلمت العلم وقرأت القرآن؟ قال: قرأت من أجلك القرآن، وتعلمت من أجلك العلم، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت ليقال قارئ وقد قيل ذلك، فيؤمر به فيسحب على وجهه إلى النار،… إلى آخر الحديث الذي رواه البخاري)).

https://www.facebook.com/moataz.aelrahman85/posts/2082789605312650