دائماً في أغاني الأستاذ عبد الباسط حمودة هناك صفقة تحدث. عملية تجارية ما. “إدّيني قلبك وخد قلبي”. بيعٌ وشراء. “إدّيني حب أكتر، أديك الشوق يا سكّر”. تحسّ إنك في العتبة أو في سوق العبور. وأحياناً يكون كريماً زيادة عن اللزوم فيقول: “خد مني قلبي هادّيهولك وببلاش، ادّيني قلبك اشتريه وفلوسي كاش”.
وفي مرّات يبالغ أكثر فيقدم عروضاً وتخفيضات سخيّة: “خد قلبي وروحي كمان أنا كسبان مش خسران”. قبل أن يتراجع منتصراً مجدداً للتاجر الصغير الذي في داخله فيقول: “ادّيني جرام محبّة أديّك وقّة حنان”، لكن أصله الطيب يظهر مرة أخرى فيضيف: “أدّيك بزيادة حبّة توزع عالجيران”. ثم يؤكد لنا أن ما يقوم به ليس عشوائياً وأنه آتٍ من إطار نظري واضح ومتماسك، فيقول: “ما هو أصل يا عطا الشوق أخد وعطا”.
هكذا يفهم الحكمدار الحبّ. حساب ربحٍ وخسارة. مثلما فهمه العالم قبل الرومانطيقية التي جعلته مرتعاً للخسارات والألم. ومثلما أعاد العالم إنتاجه بعد الرومانطيقية بشكلٍ آخر قوامه المتعوية. كأن مشروعه الغنائي جاء ليعارض أغاني الحب المطعون دائماً، الغارق في الـself-victimizing والذي يعلن عن ذلك متباهياً وكأنه فضيلة. هو يردّ من حيث لا يدري على الأستاذ عندما قال: “واهرب مِ اللي شاريني وادوّر عاللي بايعني”. كأنه يطوي مرحلةً غنّى فيها المحبّون أشياء من نوع: “يا ريت أخطر على قلبك، ولو تكرهني وأحبّك”. أحا يا فوزي. وردّدوا فيها وراء عبد الحليم حين أحبّ أن يكون رواقياً: “إن ما سألتش فيّا يبقى كفاية عليّا عشت ليالي هنية أحلم بيك”.
يغني عبد الباسط على النقيض، لحبٍّ لا مجال فيه للمازوشية تلك. يخلع ثوب الفضيلة القديم. “لمّا نلاغيك يا ولا كمان إنت لاغي”. هذا كل ما في القصة. لا مكان للألم هنا. كأنه قرأ بنثام ويعارض كانط. يغني لحبّ الـwin-win situation. للنسخة العملية منه التي يفهمها جيداً “زواج الصالونات”. للنسخة التي تقدمّها أيضاً، بطابعٍ يبدو أنه شخصيّ أكثر، تطبيقات المواعدة والخوارزميات التي ترجّح لك حبيباً وفقاً لتفضيلاتك الخاصة بعد تحليل بياناتك.
وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن حبيبنا عبد الباسط مدركٌ بطريقة ما لشكل المشاعر في وقتنا الراهن ولمظاهر أيديولوجيا الحب في مجتمعات الرأسمالية المتأخرة.