شباب هذا الجيل بيزعلوا لمّا يلاقوا حدّ شادد عليهم في الكلام – وبيتّهمهم بالدلع والتقصير
وبيكون ردّهم المعتاد هو ( الكلام ده تقولوه للناس اللي اتولدت وفي بقّها معلقة دهب – لكن احنا ما اتولدناش في بقّنا معلقة دهب – إحنا بنعاني معاكم وزيّكم – مش انتوا تعبتوا واحنا مستريّحين )
والحقيقة إنّ الجيل ده – وإن كان ما اتولدش وف بقّه معلقة دهب – إلّا إنّ مشكلته إنّه اتولد وف بقّه معلقة !
إنتا سواءا كنت إبن أسرة غنيّة أو فقيرة – فانتا اتولدت وفي بقّك معلقة
يعني إيه ؟!
يعني إنتا من جيل المعطيات – ودي جريمة عملوها معاك أهلك ( بحسن نيّة منهم طبعا )
يعني إيه جيل المعطيات
خلّيني أحكي لك موقف حصل معايا في أوّل مرّة في حياتي اتعرّضت فيه للحياة العمليّة
سنة 2008 – كنت في تانية كلّيّة – وكانت فيه شركة كبيرة اشترت مكن راوترات أخشاب سي إنّ سي – ودا كان بدعة وقتها
وكان بيشغّل المكن ده 4 مهندسين خرّيجين القسم بتاعي – اتنين منهم دخلوا الجيش – فأصبح فيه عجز في المهندسين اللي يقدروا يرسموا للمكن ده، وكان أستاذي في الجامعة د أحمد البهلول الله يرحمه هوّا استشاريّ الشركة دي – فقال لصاحب الشركة – هجيب لك طالب من عندي بيعرف يرسم كويّس – هيرسم لك المنتجات اللي محتاجين تدخّلوها على المكن
رحت الشركة – وللمرّة الأولى في حياتي أتفاجيء إن الحياة العملية تختلف عن حياتي اللي قبل كده في حاجة واحدة – إنّ كلّ حياتي قبل كده كنت باخد فيها معطيات وبتتطلب منّي نتايج – المرّة دي – ما فيش معطيات أصلا !!
يعني إيه
يعني في الكلّيّة كانت المسألة بتقول لي عندك منتج مقاساته كذا مثلا – إحسب حجمه مثلا..هنا ما فيش مقاسات للمنتج أصلا
أقول لك – هنا ممكن ما يكونش فيه منتج أصلا – هنا ممكن يكون فيه ( مشكلة ) – وعاوزين نحلّها – وعشان نحلّها محتاجين نرسم ميكانيزم ما يحلّها – والميكانيزم ده محتاجين نجيب مقاساته – ولمّا نبقى نجيب مقاساته – إبقى هات لي بقى مساحته ولّا حجمه ولّا أيّا كان
دا أكبر فرق بين طريقة تربية الجيل الحالي – وبين الحياة العمليّة
اللي اتعطى لي وقتها هوّا حتّة خشب طولها 3 متر مثلا – عليها زخرفة معيّنة – واتقال لي عاوزين المكنة دي – تطلّع حتّة خشب زيّ دي بالظبط – مع السلامة
طاب !!
مع السلامة يا باشمهندس – أشوفك آخر اليوم إن شاء الله – أو ما اشوفكش بكره
في موقف تاني – كانوا عاطينني بعض شبلونات أنقل منها بعض الكيرفات – لقيت الشبلونات دي نفسها غلط – دي بتاعة الاستقراب – مش بتاعة الفينيش النهائيّ
طاب عندكوا شبلونات للفينيش النهائيّ ؟!
هههههههههه – إحنا عندنا خشب ومسامير ونشارة
فكان مطلوب منّي أساسا اتشقلب عشان أعمل شبلونات للفينيش النهائيّ – اللي الشركة نفسها ما كانش عندها الشبلونات دي – وكانوا بيعتمدوا على مهارة كلّ عامل في الفينيش بتاعه
طاب اعمل الشبلونات دي ازّاي ؟!
اتشقلب يا باشا
اضطرّيت أفكّ القوالب اللي راكبة على المكن – واعمل استوخراع كده انقل بيه الكيرفات النهائيّة على قطع أبلاكاج عشان اعرف آخدها المكتب أرفع مقاساتها – دي كيرفات الفينيش – لكن الكيرفات الأوّلانيّة كانت كيرفات الاستقراب ( البداية ) بتاعة مناشير الشريط
وربّنا هدى لي العمّال إنّهم يسمعوا كلامي في الوقت ده – رغم إنّي كنت بالنسبة لهم طفل يعني – وفكّ القوالب من ع المكن ده هيعطّلهم – وهمّا بيشتغلوا بالإنتاج – يعني العطلة دي بالنسبة لهم خسارة
كانت تجربة عظيمة – عرفت منها إنّ الفرق بين التعليم ( اللي اتربّى عليه الجيل ده ) – وبين الحياة العمليّة – هو إنّه في الحياة العمليّة #ما_فيش_معطيات
دي الغلطة اللي الأهالي بتوع الجيل ده غلطوها معاهم – إنّهم طلّعوهم ( جيل معطيات )
حضرتك في المدرسة اتقال لك ( إحفظ الأسئلة دي بإجاباتها دي ) وادخل الامتحان – السؤال اللي يجيلك منهم – جاوب بالإجابة اللي انتا حافظها
لكن ما حدّش عطاك ( السؤال من غير إجابة ) – وقال لك ( إيه رأيك يا ترى الإجابة المفروض تكون إيه )
طاب ما عرفناش كلّنا – طاب ( يا ترى ممكن ندوّر على الإجابة فين )
طاب عرفنا إنّ الإجابة في الكتاب ده – طاب ( يا ترى ندوّر عليها ازّاي – ونطلّعها من الكتاب ده ازّاي )
إنتا ما اتعلّمتش كده – ما اتربّيتش كده
ف – بتطلع للحياة العملية تلاقي لسان حالك بيقول ( هاتوا لي شغل وانا اشتغل )
هاتوا لي ( معطيات ) وانا اعطيكم الإجابة
بينما – أوّل خازوق هتقابله في الحياة العمليّة أصلا – هوّا إنّك أساسا عاوز توصل لإنّك تلاقي الشغل نفسه – هتلاقي نفسك بتبحث عن الشغل ( المعطيات )
طاب فيه شغل محاسبة مثلا
هتلاقي نفسك بتقول ( هيّا الشركات عاوزاني اكون عارف إيه عشان اتقبل عندهم كمحاسب )
إنتا هنا بتبحث عن المعطيات
بينما إنتا خيالك كان إنّك هتتخرّج من كلّيّة التجارة يكون سؤالك للشركة ( إنتي عاوزة أحسب لك إيه من مدخلاتك الماليّة دي – عاوزاني أطلّع لك منها إيه – قايمة دخل مثلا – طاب اهي – أحلى قايمة دخل على عيونك )
بينما مش دا اللي هيقابلك – إنتا هيقابلك إنّك عاوز تعرف الشركات دي عاوزة إيه أصلا
ولمّا تشتغل في الشركة – مش هتبقى عارف مدخلات القوائم الماليّة أصلا
يعني احنا بنصنّع مثلا بيض مقصّ عربيّة دبّابة – ف هتلاقي نفسك بتقول لهم – هاتوا لي بيضة المقصّ دي بيدخل فيها كام جرام حديد – وسعر الحديد النهارده كام – وكام جرام مطّاط – وسعر المطّاط النهارده كام – وكيس التغليف بكام – آه – والكرتونة – ما تنسوش الكرتونة – وانا احسب لكم تكلفة إنتاجها كام
هتلاقي صاحب المصنع بيقول لك ( إحنا بنصنّع بيض مقصّ )
إنتا جيل ما اتولدش وفي بقّه معلقة دهب أي نعم – لكنّه جيل اتولد وفي بقّه معلقة
حتّى إبن الفقير – اتولد لقى أبوه بردو حاطط له معلقة في بقّه – ممكن معلقة مش دهب – لكنّها معلقة
يعني إبن الفقير بردو اتربّى بنظريّة إنّه خد المعطيات دي وهات لي منها نتيجة
لكنّه ما اتربّاش بطريقة إنّه إنزل الشارع هات المعطيات أصلا !!
طاب يعني نروح نموت ولّا نعمل ايه
لا – ما تموتش ولا حاجة
إعرف إنّ المطلوب منّك في الحياة العمليّة دلوقتي – وزمان بردو – هوّا إنّك تتعلّم توصل للمعطيات
وابتدي طبّق دا في حياتك – بغضّ النظر عن نظام التعليم بيقول إيه – لكن نظام الحياة ما بيقولش اللي بيقوله نظام التعليم #للأسف
ممكن انتا ما تكونش #صاحب_الذنب في ده
لكن للأسف – إنتا #صاحب_المسؤوليّة عنّه
ف ما فيش حدّ هيحلّ مشكلتك غيرك
أخيرا: حاول تربّي إبنك بطريقة أحسن ممّا انتا اتربّيت – ما تخلّيهوش من أبناء جيل المعطيات هوّا كمان