قرأت يومًا عن السبب العلمي لوجود عجلة إحماء في أقفاص الهامستر ، يخبرك العلماء أنها الوسيلة الوحيدة ليحرق الهامستر طاقة غذاؤه في بيئة راكدة مثل قفص و إلا إنتابه إحباط جنوني بسبب طاقته الهائلة التي لا منفذ لتفريغها. تصير عجلة الإحماء و الدوران العبثي آلية حماية هذا الحيوان اللطيف من الجنون.
تذكرت وقتها فورات النشاط الشهيرة لأبي التي يواجه بها دومًا الأخبار السيئة ، في الواحدة صباحًا دون كلام ينتفض بحماس و يرتب غرفته ، يغير الشراشف ، يعيد تنظيم كل شيء من رف التوابل لكتب المكتبة و يكوي ثياب لن يرتديها ثم يأوى لفراشه مُنهكًا.
تذكرت صديقتي التي تختار تواريخ بعينها في العام لتعمل في الشركة ساعات عمل مُضاعفة ، و بعد نهاية دوام العمل ترتجل نُزهة لرفاق العمل المُنهكين تلتهم بها ما تبقى من اليوم ، ليست إجتماعية حتى لكنها تخترع في تلك الأيام من كل عام شخصية فُجائية مرحة مهمتها أن تبقيها خارج المنزل ، خارج ذكريات في تلك الأيام لأشخاص لم يعودوا هنا ، تواريخ في الروزنامة النظر فيها يعني عيشها و تجرع مرارتها من جديد.
تذكرت جيدًا الكتاب الذي إنتقيته للقراءة عشية وفاة أمي ، رواية خيالية كابوسية يخاف أبطالها من النوم ، خوفًا من إستحواذ يحدث من وحوش على أجسادهم ، يشبه خوفي في تلك الليلة من السقوط في النوم ، خوفي أن يحل اليوم التالي ، أول شمس تحل على العالم بدون مُعاينتها كجمال حاضر بل كذكرى تلوكها الأفواه ، خوفي من تأكيد العالم بفجاجة لرحيل أمي لدار أخرى.
كل امريء يملك عجلة هامستر ، تلك الأفعال الغير منطقية الغير مُجدية بشيء لمن يراها من الخارج ، لكنه لا يفهم دواخل فاعلها فتبدو لمن يرانا نفعلها مثل ركض هامستر حماسي و عبثي في عجلة لا تدور ، لكنها بطريقة ما هي القشة الوحيدة التي تحمينا من الجنون في لحظة ما ، التي تروض القلب على حقائق قاسية ، مثلما يُروض الهامستر على أن القفص صار حدود عالمه ، أفعال هي ركض لا نملك سواه من لحظة بعينها تجثم على صدورنا مثل جاثوم التحديق فيه وجهًا لوجه مُهلك.
صار هذا التأويل مفضل لكل غرابة أراها في فعل عابر لأحدهم ، لا أتطفل عليها بسؤال ، ربما هي ركض هامستر في دوارة ما بحثًا عن نجاة أو وفاق القلب مع قفص ضيق.