إبراهيم ابني (2.5) مطلع عينّا في انه يروح الحضانة.. لما حد بيوصله بيرفض يدخل وأحيانا يعيط.. بس أول ما الميس تشيله وتدخل بيه ما بياخدش دقيقة عشان يسكت وينشغل في اللي بيعمله هناك لأنه بيحب المكان.. ولما بيرجع بيحكي عن الحضانة وبيكون مبسوط منها جدا.. وننام ونصحى وتاني يوم تتكرر الحكاية.. وهكذا..
من فترة كده قلت للمدام بلاش أوديه أنا لأنه بيعيط معايا أنا أكتر حد.. ممكن لدرجة انه يصرّخ ويفضحنا.. مع اني بابقى متفق معاه ومظبطه وهو واعدني والدنيا حلوة.. بس بمجرد ما نقرب من مدخل الحضانة يقلب عيل ويكشر ويعيط..
في مرة قريب لاحظت حاجة كده..
المرة اللي سكتّ فيها وما كنتش بالاعبه.. ولا فاتح حوار معاه في أسئلته الوجودية المستلسلة (ليه؟ ليه؟ ليه؟).. ولا بنتفرج على الكلاب في الشارع وننادي عليها تقوم هي تهوهو علينا.. ولا بافكره بالحاجات الحلوة اللي عملها امبارح وأحييه عليها.. في المرة دي لما وصلنا كان طبيعي تمااااااااما ونزل من العربية ومسك ايد الميس وما اعترضش.. حتى الميس نفسها استغربت..
تاني يوم أنا عكست وانا قاصد.. لاعبته كتييييييير.. وحتى وقفنا شوية حلوين بالعربية واحنا بننادي على الكلاب.. وشرحت له أمور كتير غالبا هو مش هيحتاجها دلوقتي بس اتبسط لما عرفها.. وأول ما قربنا من الحضانة بدأ في العياط بشكل رهيب.. وكان أصعب يوم لدرجة اني كنت هارجع بيه..
تالت يوم ما لاعبتوش ولا كلمته كتير (عملت زي أول يوم).. وكان كويس جدا جدا لما وصل الحضانة..
رجعت وانا مبتسم وباقول لمراتي: سيبي اللي في ايدك.. تعالي أقول لك حاجة أثرت فيا قوي..
احنا متفقين ان إبراهيم مبسوط في الحضانة.. وبيحبها.. أنا اكتشفت ان جزء كبير من مشكلته هو في المشوار.. كل ما المشوار كان حلو وشيق ومغري أكتر كل ما أصبح بالنسبة له بديل للحضانة وبديل أفضل كمان.. وما بقاش عايز يسيبه ويروح لأي مكان تاني حتى لو كان الحضانة.. والعكس.. كل ما كان المشوار مجرد “مشوار” كل ما كان عادي بالنسبة له وفضل متشوق للحضانة ومستني يلعب ويقابل صحابه ويفرح فيها..
احنا كده تماما في تعاملنا مع الدنيا والآخرة..
لما بنركز شوية ونفتكر ازاي ان الدنيا دي مجرد مشوار بيوصلنا للجنة فما بنهتمش بيها اهتمام زائد ولا بنتكالب عليها.. بالعكس بتبقى بسيطة وهينة ومهما كان اللي بنمر بيه بنكون راضيين ومش واخدين حاجة على أعصابنا.. وبنهتم بإرضاء ربنا وطاعته والتقرب إليه.. كل ده عشان في نهاية المشوار عايزين نشوف ربنا ومتشوقين نشوف نبيه صلى الله عليه وسلم ومتشوقين نستمتع بوعد ربنا لينا.. نعيم مقيييييييم..
“وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو
وللدار الآخرة خير للذين يتقون
أفلا تعقلون”..
“كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”..
لكن لما الدنيا بتحلو ويتفتح لنا منها مجالات واحنا ما نكونش مركزين وبوصلتنا ما تكونش واضحة في ذهننا بيحصل اننا ننشغل بيها وبتتحول انها تكون هي الأساس وحلاوتها بتنسينا حلاوة الجنة.. ونبقى متمسكين بالدنيا ومتصورين اننا عايشين فيها للأبد.. وكل حاجة فيها يبقى ليها قيمة أكبر بكتير من حجمها.. والتنافس عليها يشتغل.. ولما يحصل لنا خير نفرح بشدة كأننا فزنا.. ولما نصاب بسوء نحزن بشدة كأننا خسرنا.. وفيه اللي بوصلته بتبوظ فيمشي غلط ويعصي ربنا سواء يظلم نفسه أو يظلم الناس..
“أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة
فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل”..
“إن هؤلاء يحبون العاجلة
ويذرون وراءهم يوما ثقيلا”..
أنا هافضل حاطط الدرس اللي اتعلمته من مشوار حضانة إبراهيم في بالي على طول.. محتاج أفضل فاكر ان مشوار الحضانة مجرد “مشوار”.. والمكان اللي أنا رايحه هو اللي محتاج أركز فيه وأفكر فيه.. عشان ده الحافز اللي هيخليني أقرب من ربنا أكتر..