استكمالا للحديث السابق.. كيف استطعت هزيمة الاكتئاب بالعقيدة.. وكيف نجد فيها الإجابات؟ يجب أن أنوه أنني أكتب عن حياتي الشخصية جدا وأنا في صراع بين الواجب والخصوصية.. فأتمنى أن تكون تضحيتي البسيطة ذات منفعة..
البداية كانت عندما كنت اتساءل لماذا نتألم؟ ولماذا يترك الله الشر في الأرض؟ ولماذا تحدث أشياء سيئة لأناس طيبين ونواياهم نقية؟ ولماذا لا يستجيب الله لكل الدعوات؟ ولماذا لم أحقق شيئا عظيما كما كان يتوقعون مني؟ لماذا لم أخلق جميلة كباقي النساء.. ولماذا ينتحر من نظنهم ناجحين.. فمن سعيد في الدنيا إذا.. إلخ
وفي رحلتي الطويلة جدا للبحث عن أجوبة كان الله يزيد رصيدي من الألم.. خيانة أصدقاء.. هجر أحباء.. خذلان من الأهل.. خطط عملية ومهنية تفشل.. فقد من أحب دون عودة بالموت الحاسم جدا..
تكاثرت الآلام ولم تتوقف يوما.. فكنت أكثر من الدعاء والصلاة ولكن لم يغير من بؤسي شيئا..
ثم اكتشفت أن الله قد زودنا بالإجابات في العقيدة ولكننا لم نبحث جيدا..
وبعد بحث وجدت أن العقيدة هي لفظ مشتق من “عقد” و”اعتقاد”.. أي ارتباط والتزام مبني على تفكر.. ولكنه ارتباط غيبي.. فالعقيدة هي عبادة القلب.. والعبادات هي لغة الجسد.. والفقه لغة التعايش.. وفي هذا العصر نحن نركز على العبادات ونتجادل في الأحكام الفقهية ونغفل العقيدة رغم أنها أساس ممارسة الباقي..
والعقيدة حسب ما وجدت تنطوي على إيمان بالله وصفاته.. جميعها المطمئنة والمخيفة منها.. والجالبة للأمل والألم..
فتوقع أن الله رحمة ونور وعطاء فقط دون قبول الله المانع والخافض والمذل هو بداية الأزمة..
الله جل جلاله أكد لنا أن الأمل والألم
شقائق في الحياة.. وهذا هو أول بند في العقد بيننا وبين الله.. قبول الألم.. وبما أن الجميع يتألم.. يبقى السؤال لماذا حُكم علينا بالألم؟ ولماذا خُلقنا؟
الله جل جلاله خلقنا كخلفاء له في الأرض.. هذا هو التكليف الدنيوي.. بغض النظر عن دورنا: مدير، طبيب ،رئيس، شاعر، عالم.. فدورنا أن نُخلف الله على الأرض.. فنفعل ما نفعل (كلِ في مكانه) كخلفاء للملك الأعظم.. نعمر ونُحسن وننفع لننجح في الاختبار ونفوز الفوز الأعظم.. وهو رؤية الله ودخول الجنة حيث لا آلام ولا أوجاع ولا شرور..
ولكن لهذا الدور اختبارات.. الاختبار الأساسي أن نترك الدنيا قبل أن تتركنا.. وأن نختار الله وقتما يكون اختيار غيره شهوة ومتعة..
ولكي يختبر الله قدرتنا على النجاح يزودنا بأدوات مختلفة :
صحة..مال.. أهل.. ذكاء.. زواج..علم.. شهرة..
ليرى بأيهم يتعلق قلبنا ويشتهيه ثم يختبرنا فيه..
فيختبر بعضنا في أهل ظالمين.. أو جسد عاجز.. أو فقر.. أو موت.. أو وحدة.. أو زوج فاسد ..ليرى حيزهم في قلبنا.. فهكذا اختبر ابراهيم في ابنه اسماعيل، ويعقوب في يوسف وبنيامين، ونوح في امرأته ومحمد في أولاده الذكور.. ومريم في عفتها..
“وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”
المقصود بعد المصيبة أن نتذكر انها مجرد رحلة .. وإنا في النهاية راجعون اليه.. فهل تذكرنا ؟
وعندما فهمت أن الله يستخدم الألم لتخرج الدنيا من قلوب عباده لنتفرغ لمعرفته ونعي دورنا الحقيقي.. عرفت أنه عندما يُغلق باب الدنيا يفتح باب الله..
الملخص.. بعد عناء طويل عرفت أن الله يناديني بالألم.. ويربيني بالابتلاء.. ويحرمني لاستغنى لأنه المغني.. ويضعفني لينقذني من الضعف لأن المستقوي بغير القوي ضعيف.. وعرفت أنه آلمني لكي أساعد من يتألم.. وأصابني بتوهة لعلني بالبحث أرشد..
عندئذ فهمت أنني لم أكن لأبحث عنه لولا غلق أبواب الدنيا في وجهي.. ولم أكن لاستعين به وحده لو كانت حياتي مثالية.. تماما كما فعل مع أنبياءه فحرم محمد من أبويه.. وموسى من أهله.. ويوسف وجعه في إخوته.. ثم أصابهم بالخوف والسجن والهروب ليلقوا الدنيا من قلوبهم..
وقت الاكتئاب يخدعنا الحزن بأننا تائهين.. ولكن لا توهة لمن الله بوصلته.. ولا قيمة اعلى من أن يستخلفنا الله.. ولا دور أهم من النجاح في الاختبار.. لم يعدنا الله في الدنيا. بنعمة إلا وذكر اقترانها بالألم لأنها بالفعل زائلة..
ولو لم أفهم ذلك. لما صليت بقلب مشتاق ولا قرأت قرآنه وتدبرت ولا دعوت وكلي سلام أن استجابته وعدم استجابته رحمة.. وما تصالحت مع من ظلمني وما تسلحت بقوة تحصنني من لعب دور الضحية..
وهكذا أصبح للصلاة معنى وأصبح القرآن رسائل تحتاج قراءة خاصة.. بعين ترى الله برحمته وحكمته..
الجزء الثاني في رحلة الشفاء كان التعرف على خطة إبليس لنا.. فالاكتئاب عطش للقبول والنجاح والحب والتميز والتفرد.. أصله (أنا) إبليس.
https://www.facebook.com/Miral.el.masry58/posts/10160254866530254