التصنيفات
مقالات الضيوف

اختزال معنى العمل وحصره في كسب العيش فقط

مثير للتأمل

مثير للتأمل كيف تم اختزال معنى العمل وحصره في كسب العيش فقط. الإنسان لا يعمل ثماني ساعات أو اثنتي عشرة ساعة. الإنسان في عملٍ منذ ولادته وإلى يوم وفاته. سعيه على أهله عمل وعبادته عمل وتربيته لأولاده عمل وصلة رحمه عمل وتأمله في ملكوت الله عمل واستراحته عمل وسعيه في حاجات الناس عمل وقتاله انتصارًا للمظلومين عمل ونومه عمل. العبرة إذن ليست بكم ساعة تعمل في اليوم، لأنك في عمل دائم، ولكن العبرة بنوع العمل أهو عمل صالح يشفع لك يوم القيامة أم عمل فاسد.

تمت علمنة مفهوم العمل ليُختزل في مفهوم كسب العيش بفعل الرأسمالية والروح البروتستانتية(ڤيبر هو أول من تنبه لهذا الأمر)، ثم تم تقسيم الوقت إلى وقت عمل ووقت راحة، ثم جُعل وقت الراحة خادمًا للعمل المختزل في كسب العيش. تأمل معي مثلا كلمة “إجازة” والتي تعني في اللغة الإذن والسماح فالعالم مثلًا يحصل على إجازة ليدرّس والطبيب يحصل على إجازة لممارسة الطب، فكذلك العامل يحصل على إجازته أي يحصل على إذن للراحة من العمل الذي هو محصور في كسب العيش كأنها الاستثناء الذي يحتاج لإذن وسماح.

ما ينادي به حمادة فاروق وصلاح أبو المجد وإيلون ماسك وغيرهم ليس غريبًا أو نشازًا بل هو نتيجة طبيعية لعلمنة الحياة بحيث تصبح الغاية هي مراكمة المال بلا هدف أو غاية متجاوزة لعملية المراكمة، المراكمة هي غاية نفسها، لهث بلا نهاية ودوّار لا يُشفى منه. هذه العملية اللانهائية من المراكمة تنتج عبيدها لأنها تحتاج لتسخير الناس لكي تستمر. لذلك ربما لا نحتاج اليوم أكثر من الزهد والقناعة. أن نضع نصب أعيننا أننا في هذه الحياة عابرو سبيل، نأخذ من الدنيا ما نتقوى به على آخرتنا.

عادة، حينما نريد أن نقول مثل هذا الكلام نقدم له بالعديد من المقدمات أو نستدرك عليه ببعض الاستدراكات مثل أن هذا ليس تزهيدًا في الدنيا ولا دعوة لترك العمل وكأن الناس تعاني من فرط الزهد في الدنيا اليوم وليس العكس.

المصدر