التصنيفات
مقالات الضيوف

أكمل الغرس

فلا عذر لك إن كانت القيامة تقوم، فما بالك بما دونها؟

لم أتوقف للحظة عن التفكير في مشهد الدرون. رجل يجلس وحيدًا، جريحًا، مستقبلًا لحظاته الأخيرة، بعيدًا عن كل العيون، وبدون أدنى سبب للاعتقاد بأن هناك من سيرى ما سيقوم به، يأبى ألا يكون المشهد الأخير سوى مشهد عصيان تام، مشهد عدم استسلام، وبصورة قد تُرى كمبالغة إن عُرضت في فيلم.

اللحظات التي تسبق النهاية هي لحظات يتوقف فيها العقل عن العمل، وتستولي فيها الغريزة على الجوارح. إظهار الهلع والسعي لإيجاد مخرج هو ما ستمليه غريزة البشر عليهم في موقف كهذا.

ولكنه لم ينصع لغريزته. هذا الأمر مستحيل، إلا في حالة امتلاك قناعات تمتد جذورها لما هو أعمق من الغريزة ذاتها. قناعات بإمكانها كبح الغريزة ذاتها. مشهد النهاية الذي رأيناه مستحيل بدون إيمان مُطلق بما عاش من أجله، وإيمان مُطلق بما يعلم أنه في انتظاره.

في حين أن أحدًا منا ليس بإمكانه اختيار مشهد بدايته، ففرصة اختيار مشهد النهاية متاحة للجميع. ولكن وجود الفرصة شيء، وتحويلها إلى واقع شيء آخر. أغلبنا – غريزيًا- أجبن من أن يفكر في الأمر حتى، دع عنك أن يختار كيف ستكون نهايته. كل ما نقوم بفعله هو الانتظار فحسب.

ولكنه لم يكن من المنتظرين.

لهذا السبب بالضبط يضطرم صدر الفرد بمزيج من مشاعر التبجيل والإلهام والإعجاب في كل مرة يعيد فيها مشاهدة تلك الثوان.

لهذا السبب بالضبط يتمنى الفرد لو تمكّن من القيام بالمثل.

المصدر

المشهد الأيقوني في فيديو الرجل هو مشهد ضربه الدرون بالعصاية اللي كانت في إيديه!

أول حاجة تبادرت في ذهني هي حديث النبي صلى الله عليه وسلم” ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ) .

بالمعنى الدنيوي.. حتعمل ايه حتة خشبة نص متر مع درون؟؟

لا السؤال الأدق.. حتعمل إيه حتة خشبة نص متر ماسكها واحد مصاب ومثخن بالجراح ومش قادر يقف مع درون مجهزة؟؟

لكن الخشبة دي كانت فسيلته.. وغرسها فعلًا وامتثل للأمر!!

فيما كان يفكر؟؟

مع كل الاضطراب اللي حواليه لم ينشغل عن “العمل” زي اللي الحديث قصده بالظبط! قيامة بتقوم، ونفخة أولى في الصور، طلوع شمس من مغربها،كل علامات يوم القيامة ومع كذه .. فليغرسها

وما تصنع فسيلتي؟ ومن سيأكل منها ؟ ومن أين لي بطاقة نفسية تعينني على الغرس والسقيا والعالم ينتهي من حولي؟!

أنت مطالب بعمل الخير وبذل الجهد ( وما أعظم ما فعله أبا إبراهيم من خير!!) حتى ولو كنت قريب الأجل، وحتى ولو كان العالم من حولك شديد الاضطراب، ولو كان اضطراب يوم القيامة!!

لأن الله – عز وجل – لا يريد للمصلحين أن يتوقفوا! ومن يغرس فسائل الخير إذن؟؟

فيا صاحبي..

أكمل الغرس فلا يصح ولا يليق بعد هذا المشهد أن تنام ملء جفنيك وتأكل ملء ماضغيك!

أكمل الغرس فلا عذر لك إن كانت القيامة تقوم، فما بالك بما دونها؟

أكمل الغرس ولا تشّمت فيك بن سلول وأبناءه من بني جلدتنا

أكمل الغرس ومن معك في تثبيت من حولك والعض معًا على جراحكم فاللهُ الذي تعبّدكم بالغرس ولو مع قيام القيامة لا يريد منكم إلا أن تظلوا رافعي اللواء ولو حاصركم الأعداء، وتستكملوا العمل ولو أطفئت مشاعلُ الأمل..

المصدر