أنا شايف إن الشغل شكل واحد بس من أشكال الإحساس بالذات والتحقق، متهيألي لو فكرنا في الموضوع حنلاقي نفسنا متأثرين بقواعد وعادات كتير أغلبها وضعه الإقتصاديين لخدمة شركاتهم ومصانعهم وغيره، إنما ممكن تشعر بذاتك من خلال قضاء وقت أطول مع أسرتك والناس اللي بتحبهم والقيام على مصالحهم ورعايتهم، ممكن تشعر بذاتك من خلال ممارسة هوايات ممتعة أو التعرف على أماكن وناس وعادات وثقافات جديدة، ممكن تشعر بذاتك من خلال العمل الخيري أو مساعدة الآخرين بأي شكل تقدر عليه، وكلها أشكال مش بس تحسسك بالتحقق، هي كمان بتساهم في بناء مجتمع أفضل، لكن لو إحساسنا الوحيد بذواتنا جاي من العمل بمعنى الوظيفة والكسب المادي، فأعتقد ده مش الأصل في الإنسان، أعتقد ده جاي من تعريف النجاح بمعناه الرأسمالي، وهو إنه يبقى عندك أكتر مما يمكن قياسه، عشان تقدر تواجه العالم وانتقادات الآخرين وإنت مطمئن إن معاك حاجات تعرف تدافع بيها عن نفسك، زي رصيد في البنك أو نوع سيارة أو منطقة سكنية أو غيره، بينما من الصعب مواجهة العالم بكونك إنسان متزن أو متسق مع نفسك، أو بكونك أب/زوج عظيم بيبذل مجهود ضخم عشان يساعد زوجته وأولاده، أو بكونك بتحقق رغباتك وأحلامك البسيطة في تجربة نفسك في هوايات وأنشطة مختلفة.
كل دي أشياء يصعب قياسها، وبالتالي يصعب تحويلها لمادة/بوستات/صور انستجرام، وبالتالي يصعب الحصول على التأييد/الدعم/الإعجاب من خلالها، وبالتالي مع الوقت تحولت لأشياء بلا قيمة أو في قاع الترتيب، رغم أنها أهم في كتير من الأحيان، حتى قيم زي الجمال أو الإتقان أو الإبداع بقت مرتبطة ارتباط مطلق بعائدها المادي فقط لا غير.
طبعًا في قصة زي دي في استدراكات كتير لأننا بنتكلم على مفهوم مستقر بقى له مئات السنين، فعمليًا يعني مستحيل تفكيكه من غير ما تصطدم بقناعات راسخة اتبنى عليها مجتمعات وحضارات كاملة، المهم يعني إنه من ضمن الاستدراكات دي إنه الظروف الصعبة اللي بتمر بيها شعوب زي المصريين مثلًا فمفيش اختيار لـ 99% من الناس أصلًا، بل بالعكس في الحالة دي بتنقلب الآية وبيعتبر التحقق المادي هدف نبيل بحد ذاته وهو كفاية أهل بيتك وأحبابك وحمايتهم من العَوَز، ببساطة لأن الأسعار والمتطلبات وجودة الحياة بشكل عام لا تتناسب لا مع الدخول ولا مع المجهود المبذول في كتير من الوظائف، وساعتها بيبقى الكلام ده كله بلا معنى، عشان كده قصرته على حالة إنك لو معاك ما يكفيك/يغنيك عن الناس والعمل.